وإن أكبر المصائب، وأعظم المعوقات عن الله تعالى استيلاء النفاق على القلب، أو مخالطته للأعمال، كيف لا وقد كان سلف الأمة رضي الله عنهم يخافون من النفاق أشد الخوف، لما يعلمون من خطره، ولما تبين لهم من ضرره، فقد قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: وقال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه"، ويذكر عن الحسن البصري رحمه الله قال:"ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق "انتهى. وقال عمر رضي الله عنه لحذيفة رضي الله عنه:"يا حذيفة نش دتك بالله هل ذكرني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين"قال:" لا ولا أزكى بعدك أحداً "، ومعنى هذا أن حذيفة أراد أن يسد باب السؤال على نفسه حتى لا يسأل غير عمر رضي الله عنه، فيزكيه وهو لا يستحق، لا أن غير عمر رضي الله عنه منافق. وسئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق قال:"ومن يأمن على نفسه النفاق "؟. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قيل له: إنا ندخل على سلطاننا فنقول له بخلاف ما نتكلم به إذا خرجنا من عنده قال:"كنا نعد هذا نفاقاً ".
وفي المسند عن حذيفة رضي الله عنه قال:"إنكم لتكلمون كلاماً إن كنا لنعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم النفاق "، وفي رواية قال:"إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصير منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في اليوم أو في المجلس عشر مرات ".
فهذه حال القوم من الخوف من النفاق، والإشفاق من التلوث به، مع امتلاء قلوبهم إيماناً ويقيناً، وسبقهم في الخيرات، ونصرتهم لدين الله تعالى، فأين الحال من الحال، اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وأعيننا من الخيانة.