ثم يذكر أن الشيخ قد أيد أحد الطغاة الملاحدة.. إذ كان يتصيد ذكره تصيدا أثناء الحلقات ليدعوا له ويسمع مريديه يدعون له.. لأنه في رأيه الرجل الذي ينهض الإسلام على يديه.. فلما هزم الطاغي انصرف إلى تمجيد خالعيه.. ثم لم يدع بعد غاصبا إلا بالغ في إطراء فضله ونشر الطيب من ذكره.. والناس - هؤلاء المفترين - مع ذلك يقولون: إن الشيخ يداهن القوم للمنفعة وأن كل ما تعانيه البلاد من البلاء إنما يعود إلى جرائم أولئك الذين كان الشيخ يروج لهم الدعاية في أوساط المغفلين من هؤلاء المريدين!!
ولقد رأى بعينه تلك السجادة الهائلة التي طال حديث الدساسين عنها رآها في دار الشيخ تغطي أرض البهو جميعا.. ولا شك أنها جلبت من المسجد نفسه.. ولكن.. لم يحسبون ذلك سيئة للشيخ وهو إنما وضعها هناك لاستقبال المصلين أنفسهم.. أليس مريدوه كلهم من ذلك المسجد.. وبالتالي أليست داره بمثابة الجامع وأكثر.. فأي فرق إذن بين أن تكون هذه السجادة هنا أو هناك. إنها من بيت الله لبيت الله والحكم في الحالين واحد.. وقبح الله المضللين..
وحسب أبو جميل أنه قد تغلب على كل ريبة في صاحبه.. ولم يدر أنه قد أطلق لشكوكه العنان، تهدم في نفسه وتبني كما يشاء..
إنه لواقع تحت شعور غريب يشبه ما يحسه الغريق عندما يرتفع رأسه فوق الماء.. وخيل إليه أن في الحياة أشياء كثيرة فاته النظر إليها من قبل على كثرة ما مر بها ورآها.. فهو الآن كسالك الصحراء يتطلع إلى البعيد فيرى السفن والقوافل والفرسان والنخيل.. وعشرات المرئيات الجميلة.. بيد أنه كلما دنا من موقع الرؤية أخذت هذه المنظورات بالتلاشي حتى لا يبقى منها شيء.. ومن الناحية الأخرى هو كالمحدق في أبعاد الأفق.. يلمح نقاط سواد خلال طبقات الغمام فلا يعيرها التفاتا ولكنها لا تلبث أن تتضح كلما صفا الأفق فإذا هي أخيرا سرب عريض من قاذفات القنابل تملأ بأحجامها وهديرها الفضاء..