واعتقد أبرهة أنه خالص لا محالة إلى البيت، فأرسل رجلا من جيشه فاستولى على أموال أهل مكة، وساقها إلى أبرهة، وزادت ثقة أبرهة في قدرته على تحقيق أمله، وتهيأ لدخول مكة، وعبأ جيشه ولكن الله كان له بالمرصاد.
لم يكن هناك من يحمي البيت فحماه الله، ولم تستطع قوة صد جيش أبرهة فسلط الله عليه من صده وأهلكه {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[٩] .
وزادت تلك الحادثة من مكانة مكة في نفوس العرب إذ ثبت لهم بما ليس فيه ريب حفظ الله لبيته وإهلاكه من أراده بسوء، كان ذلك في الجاهلية قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأما بعد البعثة فقد حدث أن اعتدت بكر على خزاعة وألجأتهم إلى دخول الحرم ولم تحترم بكر حرمة البيت، وإن هابت اقتحامه بادئ الأمر، ونبهوا قائدهم نوفل ابن معاوية الديلي، وقالوا له:"يا نوفل، إنا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك"، ولكن نوفل كان قد صمم على الأخذ بثأره، ولم يعبأ بتحذير قومه، وقال:"لا إله اليوم، إنكم تسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه؟ "[١٠] .
وعلم رسول الله بما ارتكبت بكر من انتهاك حرمة البيت ونقض العهد والاعتداء على حلفائه الخزاعين فهب لإنقاذهم، وفتح مكة وأذل الله قريشا وحلفاءهم بكرا، ولكن الرسول منّ عليهم وأطلق سراحهم، فعرفوا بالطلقاء.
وفي سنة ثلاثمائة وسبع عشرة من الهجرة كانت فتنة القرامطة في مكة حيث سفكوا دماء الحجاج وعطلوا الشعائر واعتدوا على بيت الله الحرام، وانتزعوا الحجر الأسود وأخفوه اثنتين وعشرين سنة.
وصال أبو طاهر القرمطي وجال بفرسه حول الكعبة، وكان مخمورا على رواية بعض المؤرخين، واخذ يصيح: