للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقف سراقة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرض عليه الزاد والمتاع وأخبره بما يريد به الأعداء، فلم يقبل الرسول منه زادا ولا متاعا وأمره أن يخفي أمره ولا يخبر أحدا به [٣٧] .

والتفت الرسول إلى سراقة وقال: "كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ " [٣٨] إنها كلمة لا يقولها في مثل هذا الموقف إلا رجل عظيم تام الثقة بالله - عز وجل- إن الرسول يطارده قومه، وقد خرج من بينهم مهاجرا إلى بلد آخر مستخفيا، ثم يخبر سراقة بأنه سيلبس سواري كسرى، إنه أمل عظيم في الله - سبحانه - وثقة تامة في نصره المبين.

ويعود سراقة بهذه البشارة الطيبة وبكتاب أمان كتبه له أبو بكر بأمر الرسول، ويعود فوق ذلك بإيمان ملأ قلبه فكان ذلك عنده خيرا من ألف ناقة.

ومر الرسول وصاحبه بخيمتي أم معبد وهي امرأة من خزاعة كانت تجلس في خيمتها تطعم وتسقي من يمر بها فسألاها عن شيء يشترونه، فأجابت لو كان عندي ما أعوزكم القرى.

ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جانب الخيمة شاة فقال: "ما هذه الشاة يا أم معبد؟ "فقالت: "هي شاة خلفها الجهد عن الغنم".

فاستأذن منها، وحلبها فتفاجت فدرت، وملأ الرسول منها إناء يكفي الرهط فسقاها ثم سقى أصحابه ثم شرب أخرهم، ثم حلب في الإناء مرة أخرى حتى ملأه وتركه عندها وغادرها.

وهكذا يضرب الرسول المثل في حب الخير للناس لقد كان يستطيع أن يرحل عن أم معبد دون أن يحلب لها، ويكفي أنه سقاها وسقى أصحابه ولكنه - صلى الله عليه وسلم - كان حريصا على أن يصل الخير إلى الناس جميعا. ولعلها لا تجد ما تطعم منه زوجها إذا حضر فترك عندها ما تستعين به على ذلك.

وفي الطريق لقي الركب الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قادما من الشام في تجارة له، ومعه بعض المسلمين، فكسا الرسول وأبا بكر ثيابا بيضاء مما جلبه من الشام.