ولا يفوتني أن أذكر في مقامي هذا أنني خلال غمرة هذه السعادة وقعت مفاجأة مروعة عكرت صفو النفوس، وحولت الفرحة حزناً وألماً، ذلك أنه في مطلع شهر المحرم قامت فئة من الشباب الغر، الذين جهلوا أمر دينهم، وما رجوا لله وقاراً، وملأ الغرور عليهم أنفسهم فسوَّل لهم الشيطان وأملى لهم، إذ حشدوا مجموعة ضخمة من الأسلحة واقتحموا بها بيت الله الحرام- الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً- وارتكبوا من جرائم قتل النفوس البريئة المعصومة الدم، ما أفزع الآمنين، وروَّع الطائفين والراكعين الساجدين، ونشر الذعر في بلد الله الحرام في الشهر الحرام، وصدَّ الآمين المسجد الحرام الذي جعله الله للناس سواء العاكف فيه والباد، زاعمين أن (المهدي) قد ظهر فيهم، وأرادوا حمل من بالمسجد الحرام قسراً تحت إرهاب السلاح- على مبايعة (مهديهم المزعوم) وما جر هذه الفئة الباغية إلى مثل فظائعهم إلا أنهم لم يحصلوا من العلم الصحيح المحقق ما يردهم عن مثل ما ارتكبوا من مسلك إجرامي فريد.
لكن الله تعالى- جلت قدرته- دائماً بالمرصاد لكل من يريد انتهاك حماه، وتخطي حدوده بعامة، واستباحة حمى البيت الحرام بخاصة، فقال سبحانه:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}(الحج آية ٢٥) - وتحقق ذلك فعلاً؛ إذ كان من فضل الله تبارك وتعالى أن وفق أولي الأمر في البلاد فمكنهم من قمع فتنة أولئك المارقين الذين أعماهم الجهل، وأهلكهم الغرور، وضربت الغشاوة على قلوبهم وأبصارهم جواً من الظلمة الرهيبة التي عاشوا فيها مع الشطان الرجيم.