وإذا نظرت إلى عدد ما ذكرنا في كتاب الله العزيز بالقياس إلى عدد آياته التي بلغت ستة آلاف ومائتين وستاً وثلاثين (١) رأيت أن لنا نصيباً موفوراً من الذكر، ومنزلة عالية بين أساليب البيان.
وهنالك ميادين أخرى كثيرة لنا فيها فضل وإحسان، ومجالات واسعة لنا فيها هيمنة وسلطان، فنحن- معاشر أدوات الاستفهام- يقوم علينا الأدب التمثيلي الذي هو من أصعب أنواع الأدب وأرقاها، وعلينا تقوم طريقة من أنجح طرق التدريس وهى طريقة الحوار، والعلماء والقضاة والمحامون والمدرسون وكبار مراسلي الصحف، هؤلاء - وغيرهم كثير- لا ينالون النجاح والفوز إلا إذا كانوا ذوى مقدرة فائقة على إنشاء الأسئلة الدقيقة العميقة وحسن الحوار، ولا أكون متجانفة عن الحق إذا قلت إن معظم ما في هذا العالم من مسائل العلم والمعرفة كان جواباً عن سؤال.
غير أن القرآن الكريم هو الذي أكسبنا هذا الشرف العظيم، ووهب لنا هذا الفضل الواسع، فكان حقاً علينا أن نذكر أحوالنا فيه، وأن نقصر الرسائل على ما أولانا إياه.
أختي العزيزة (هل) :
لقد ذكرت أنا- همزة الاستفهام- في القرآن الكريم أكثر من خمس مائة مرة، وإن شئت الدقة والتحديد قلت خمس مائة وتسع عشرة مرة، وأسأل الله تعالى ألا أكون قد أخطأت في العد والحساب.
هذا القدر الذي نلته أنا كان كثيراً جداً- والحمد لله- لم تصلي إليه أنت ولا قاربته أخت أخرى، ومعاذ الله أن أقول هذا مخيلة واستكباراً، وإنما هو تحدث بنعمة الله وفضله، وبيان لما أولانيه من رفعة وعظيم شأن.
وما ينبغي لمثلي أن تكون من هؤلاء الذين يظهرون الفقر وهم أغنياء، ويعيبون الدنيا وهم ينشقون أزهارها المخضلة، ويخضمون أوراقها الخضر.
قد تعجبين وتسألين: كيف نلت هذا المقدار من الذكر، وأنى لي هذا الغنى والوفر؟!