وقال عبد القاهر الجرجاني [١٧] : "واعلم أن مما اتفق عليه العقلاء أن التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني أو برزت هي باختصار في معرضه ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته، كساها أبهة وكسبها منقبة، ورفع من أقدارها وشب من نارها، وضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ودعا القلوب إليها، واستثار لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفا، وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفا.
فإن كان مدحا كان أبهى وأفخم، وأنبل في النفوس وأعظم، وأهز للعطف وأسرع للإلف، وأجلب للفرح، وأغلب على الممتدح، وأوجب شفاعة للمادح، وأقضى له بغر المواهب والمنائح، وأسير على الألسن وأذكر، وأولى بأن تعلقه القلوب وأجدر.
وإن كان ذما كان مسه من أوجع وميسمه ألذع، ووقعه أشد، وحده أحد؛ وإن كان حجاجاً كان برهانه أنور، وسلطانه أقهر، وبيانه أبهر.
وإن كان افتخاراً كان شأوه أبعد وشرفه أجد ولسانه ألد.
وإن كان اعتذاراً كان إلى القبول أقرب، وللقبول أخلب، وللسخائم أسل، ولغرب الغضب أفل، وفي عقد العقود أنفث، وعلى حسن الرجوع أبعث وإن كان وعظا كان أشفى للصدر، وأدعى للفكر، وأبلغ في التنبيه والزجر وأجدر بأن يجلي الغيابة، ويبصر الغاية، ويبرئ العليل، ويشفى الغليل.."
وخلاصة القول أن التمثيل يشتمل على كثير من الأسرار منها: