خامسا: ما ذكره من أن الشافعي كان يقول للإمام أحمد إذا ثبت عندك الحديث فادفعه إلي حتى أثبته في كتابي، قد ذكر معناه البيهقي في كتابه مناقب الشافعي أخرجه بإسناده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال:"قال لنا الشافعي أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحدث الصحيح فأعلموني إن شاء يكون كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا". ثم قال البيهقي:"وهذا لأن أحمد بن حنبل كان من أهل العراق فكان أعلم برجالها من الذي لم يكن من أهلها وكان أحمد عند الشافعي من أهلها وكان أحمد عند الشافعي من أهل العلم بمعرفة الرجال فكان يرجع إلى قوله فيهم"، ثم روى البيهقي بإسناده إلى حرملة قال سمعت الشافعي يقول:"خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدا أتقى ولا أورع ولا اعلم وأظنه قال ولا أفقه من أحمد بن حنبل".
ومن الواضح أن الإمام الشافعي لا يكون بذلك ناقلا عن الإمام أحمد حديثا على علاته مقلدا له وإنما رغب الشافعي من الإمام أحمد أن يعلمه بما يصح لديه من الحديث مما لم يكن عنده حتى يذهب إلى ما دل عليه الحديث الصحيح ويعمل به وهو متفق مع ما نقل عنه في مسائل كثيرة من قوله:"إن صح الحديث فيها- أي في المسألة قلت به"ومتفق مع ما أثر عنه وعن غيره من الأئمة من أن الاعتماد عندهم على ما يصح من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتى كان الحديث عند الإمام أحمد بإسناد صحيح ثم يرويه عنه شيخه الإمام الشافعي ويحتج به فإنه بذلك متبع الطريقة المثلى في العلم والعمل وهو محمدة له لا مذمة.