لا أذكر من أسألتهم إلا سؤالا واحد وهو قولهم:"لم تختارون الإسلام مع أن المسلمين في شدة وضيق وتفرق وفقر وبعد عن الأخلاق الفاضلة والسيرة الحسنة؟ "فأجبتهم قائلا: "ما اخترت الإسلام إلا بعد مطالعة قواعد الإسلام لا بدراسة أحوال المسلمين اليوم وإن كنتم في ريب منه فأعرضوا علي ما أشكل عليكم من أصل الإسلام وعقيدته". ولكن جهودهم ذهبت أدراج الرياح فبهتوا وسكتوا وانقلبوا خائبين يلومون أنفسهم كما هي عادة المعاندين عند المحاولة فصدق عليهم قول الله عز وجل:{فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} . فما كنت أرجع إلى بيتي إلا وقلبي مطمئن بالإيمان واستمر هذا البحث والنقد خمسة عشر يوما متوالية.
المرحلة الثالثة: ثم جاءت مرحلة الأذى والتعذيب التي كنت أنتظرها بفارغ الصبر فمن أذاهم حبسهم الماء والطعام عني وانقضوا علي ضربا بالعصا والنعال فاستمروا بجهودهم شهرين متتابعين وبعد ما يئسوا من رجوعي إلى دينهم تآمروا على قتلي ولولا أن الله أنجاني منهم بلطفه الخفي لقتلوني شر قتلة، فيسر الله لي طريق الهجرة وهاجرت إلى مكان هادئ تاركا والدي والرفقاء والأصدقاء والكثير من العشيرة الأقربين لأحافظ على ديني وإيماني كل المحافظة بفرح وسرور، كما هاجر أبونا إبراهيم عليه السلام قائلا:{وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .