ومن هنا نشأ علم الجرح والتعديل أو علم فحص الرجال أو علم ميزان أو معيار الرواة.. وقام جماعة من الأئمة بهذه المهمة الجليلة التي سنها لهم النبي صلى الله عليه وسلم ومشى عليها الصحابة عليهم الرضوان، وعلم الجرح والتعديل علم جليل القدر من أجل العلوم التي نشأت بنشأة حفظ السنة وتدوينها بعيدة عن الخلل والزيف. وهو علم لا نعرف له نظير في تاريخ الأمم الأخرى. واستطاع العلماء بهذا العلم الوقوف على أحوال الرواة وميزوا بين الصحيح وغيره من الأخبار، فجندوا أنفسهم لاختبار من يعاصرونهم من الرواة ولم يكتفوا بذلك بل ويسألونهم عن السابقين ممن لم يعاصروهم ويعلنوا رأيهم فيهم دون تحرج ومأثم إذ كان ذلك ذبا عن دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وقد قيل لأبي عبد الله البخاري إن بعض الناس ينقمون عليك التاريخ يقولون فيه اغتياب الناس فقال:"لا إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا وقد قال صلى اللَه عليه وسلم: "بئس أخو العشيرة".
تعريف علم الجرح والتعديل:
الجرح: بفتح الجيم مصدر جرح كمنع وهو في اللغة التأثير في الجسم بالسيف ونحوه، وأكثر ما يستعمل بالفتح في المعاني والأعراض باللسان.
وأما الجرح بالضم فهو الاسم وأكثر استعماله بالضم في الأبدان بالحديد ونحوه وهما في اللغة بمعنى واحد يقال فلان جرح فلانا أي سبه وشتمه وجرح الحاكم الشاهد أسقط عدالته وذلك مجاز ويقال: جرح الرجل، أصابته جراحه يقول مجد الدين بن الأثير: ومنه حديث بعض التابعين "كثرت هذه الأحاديث واستجرحت"أي فسدت وقل صلاحها وهو استفعل، من جرح الشاهد إذا طعن فيه ورد قوله، أراد أن الأحاديث كثرت حتى أحوجت أهل العلم بها إلى جرح بعض رواتها ورد روايته.. وجرح بتشديد الراء تجريحا أكثر ذلك فيه.