قال الربيع بن زياد الحارثي: "كنت عاملا لأبي موسى الأشعري على البحرين فكتب إليه عمر بن الخطاب يأمره بالقدوم عليه هو وعامله، فلما قدمنا المدينة أتيت (يرفأ) فقلت: يا يرفأ ابن سبيل مسترشد أخبرني أي الهيئات أحب إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عماله؟ فأومأ إلى الخشونة. فأخذت خفين مطرقين ولبست جبة صوف ولثت رأسي بعمامة دكناء. ثم دخلنا على عمر فصفنا بين يديه وصعد فينا نظره وصوب فلم تأخذ عينه أحد غيري فدعاني فقال: من أنت؟ قلت: الربيع بن زياد الحارثي. قال: وما تتولى من أعمالنا؟ قلت: البحرين. قال: فكم ترزق؟ قلت: خمسة دراهم كل يوم. قال: كثير فما تصنع بها؟ قلت: أتقوت منها شيئا وأعود بباقيها على أقارب لي فما فضل منها على فقراء المسلمين. فقال: لا بأس ارجع موضعك. فرجعت إلى موضعي من الصف. ثم صعد فينا وصوب فلم تقع عيناه إلا علي فدعاني فقال: كم سنوك؟ فقلت: ثلاث أربعون سنة. قال: الآن حين استحكمت. ثم دعا بالطعام وأصحابي حديثو عهد بلين العيش وقد تجوعت له فأتى بخبز يابس وأكسار بعير، فجعل أصحابي يعافون ذلك وجعلت آكل فأجيد الأكل فنظرت فإذا به يلحظني من بينهم. ثم سبقت مني كلمة تمنيت أني سخت في الأرض ولم ألفظ بها فقلت: يا أمير المؤمنين إن الناس يحتاجون إلى صلاحك فلو عمدت إلى طعام ألين من هذا؟. فزجرني وقال: كيف قلت؟ قلت: أقول لو نظرت يا أمير المؤمنين إلى قوتك من الطحين فيخبز لك قبل إرادتك له بيوم ويطبخ لك اللحم كذلك فتؤتى بالخبز لينا وباللحم غريضا. فسكن من غضبه وقال: هذا قصدت؟ قلت: نعم. قال: يا ربيع إنا لو نشاء لملأنا هذه الرحاب من صلائق ورقائق وصناب ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم شهواتهم فقال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا..} ثم أمر أبا موسى أن يقرني وأن يستبدل أصحابي.