وروى بسنده عن مسعر قال:"سمعت سعد بن إبراهيم يقول لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الثقاة.." وروى بسنده عن عبد الله بن المبارك يقول: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء". ويقول أيضا:"بيننا وبين القوم القوائم.." ومعنى هذا الكلام إن جاء بإسناد صحيح قبلنا حديثه وإلا تركناه فجعل الحديث كالحيوان لا يقوم بغير إسناد كما لا يقوم الحيوان بغير قوائم..
زيادة إيضاح:
سبق لنا أن أشرنا إلى رأي بعض الأئمة حكم رواية المبتدع وبقي هنا أن نزيد هذه المسألة إيضاحا، جمع الخطيب البغدادي رحمه الله مذاهب العلماء عما جاء في الأخذ عن أهل البدع والأهواء والاحتجاج بروايتهم.
فقال: اختلف أهل العلم في السماع من أهل البدع والأهواء، كالقدرية والخوارج والروافض، وفي الاحتجاج بما يروونه، فمنعت طائفة من السلف صحة ذلك؛ لعلة أنهم كفار- عند من ذهب إلى أكفار المتأولين، وفساق عند من لم يحكم بكفر متأول.
وقال من ذهب إلى هذا المذهب: أن الكافر والفاسق بالتأويل بمثابة الكافر المعاند، والفاسق العامد فيجب ألا يقبل خبرهما ولا تثبت روايتهما.
وذهبت طائفة من أهل العلم إلى قبول أخبار أهل الأهواء الذين لا يعرف منهم استحلال الكذب والشهادة لمن وافقهم بما ليس عندهم فيه شهادة.
وممن قال بهذا القول من الفقهاء: أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، فإنه قال:"وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة، لأنهم يرون شهادة بالزور لموافقهيم". ويحكى أن هذا مذهب ابن أبي ليلى وسفيان الثوري.