إننا إذا جلنا جولات خاطفة متبصرة في المجتمعات الإسلامية، لألفيناها- إلا من رحم الله وحمى منها- أبداناً وهياكل لا روح فيها، لا تقيم للعقيدة الصحيحة وزنا، ولا تتبين معاني التوحيد والشرك، والسنة والبدعة، والحق والباطل، إذ اضطربت في أذهان أفرادها معالم الشريعة، ففقدوا بذلك الفرقان الذي يميز الخبيث من الطيب، ومن ثم لم يعنوا بالتعرف على الله، والتجرد له، واستهانوا بمراقبته وتقواه، وهل يوجد الفرقان في قلب المؤمن إلا بتقوى الله؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}(الأنفال آية ٢٩) . وبهذا اختلت الموازين لدى من ينتسبون إلى الإسلام، فلم يميزوا بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم، ولا بين عدوهم وبين حبيبهم، ولا بين من يقدم لهم طعاماً وبين من يجعلهم له طعاماً، وبين من يمد إليهم يده مصافحا، وبين من يمدها إليهم طاعناً، وأخذوا يسمعون لكل ناعق،.. ويجرون وراء كل داع، فعميت عليهم الأنباء، وأصبحوا في أمر مريج،.. وانتهى مطافهم إلى أن دب الخلاف فيما بينهم، وانكبوا على الدنيا وشهواتها يتنافسون..، فهزلت شخصياتهم..، وبهتت ألوانهم، وخفتت أصوات الحق فيهم- إلا من رحم الله ووفق-، ونظر إليهم أعداؤهم- أعداء الله - فوجدوهم هكذا غثاء كغثاء السيل، رغم بلوغ عددهم ما يقارب ألفا من الملايين، فما خشوا بأسهم واستهانوا بهم، وأخذوا يخططون لضرب وحدتهم أولا، فلما فرقوهم سهل عليهم التهامهم أمة تلو أمة ثانيا، ثم أخذ أعداء الله الدنيا بقوة، وأصلحوا فيها أمرهم، فبلغوا من التقدم ما حطوا به على سطح القمر وغيره من الكواكب- وصار ميزان العالم كفتين: كفة يشغلها ملاحدة شيوعيون، تقابلها كفة أخرى يشغلها صهاينة جشعون، يعاونهم صليبيون حاقدون. وكل من القوتين الباغيتين لا تحب الإسلام ولا ترضى عن المسلمين طالما أنهم مسلمون، وقد قرر الله تعالى هذه الحقيقة في قوله: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ