إن المخادع حين يخادع بباطل وظلم، أو الماكر حين يمكر بباطل وظلم، أو الكايد حين يكيد بباطل وظلم، أو المستهزئ حين يستهزئ بباطل وظلم، والناسي حين ينسى بباطل وظلم، والفاسق حين يرتكب فسقه بباطل وظلم، يكون أكمل الحكمة من الله تعالى حين يخادعه، أو يمكر به، أو يكيده، أو يستهزئ به، أو ينساه، أو يدمره بالحق والعدل. ومن ثم فلا يشرع أن يوصف الله تعالى بتلك الأفعال المذكورة ولا أن يسمى بأسماء تشتق منها على وجه الإطلاق، لأن الله تعالى لم يصف بمثل أفعال الخداع، والمكر، والكيد، والاستهزاء، والنسيان، والتدمير، وما ماثل ذلك مطلقاً، ولا أدخل ذلك في أسمائه الحسنى. "ومن ظن من الجهال المصنفين في شرح الأسماء الحسنى أن من أسمائه الماكر، المخادع، المستهزئ، الكائد، فقد فاه بأمر عظيم تقشعر منه الجلود، وتكاد الأسماع تصم عند سماعه. وغر هذا الجاهل أنه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه هذه الأفعال، فاشتق له منها أسماء، وأسماؤه كلها حسنى، فأدخلها في الأسماء الحسنى، وأدخلها وقرنها بالرحيم، الودود، الحكيم، الكريم - وهذا جهل عظيم- فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقا، بل تمدح في موضع وتذم في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقا، فلا يقال إنه تعالى يمكر ويخادع يستهزئ ويكيد، فكذلك بطريق الأولى لا يشتق له منها أسماء يسمى بها، بل إذا كان لم يأت في أسمائه الحسنى المريد، ولا المتكلم، ولا الفاعل، ولا الصانع، لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم، والحكيم، والعزيز، والفعال لما يريد، فكيف يكون منها الماكر، المخادع، المستهزئ؟ ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى: الداعي، وآلاتي، والجائي، والذاهب، والقادم، والرائد، والناسي، والقاسم، والساخط، والغضبان، واللاعن، إلى أضعاف أضعاف ذلك من الأسماء التي أطلقت على نفسه أفعالها في القرآن - وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل. والمقصود