للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو اسم لله مشتق من الرحمة كذلك، وهو على وزن فعيل وهو من صيغ المبالغة. وقد سبق أن ذكرنا أن اسم (الرحمن) لما يتضمنه من صفة الرحمة التي تعم كافة خلقه بأن خلقهم وأوسع عليهم في أرزاقهم، فإنه أشد مبالغة من اسم (الرحيم) الذي يتضمن صفة الرحمة التي تعم عباده المؤمنين فحسب بأن هداهم إلى الإيمان في الدنيا، وهو يثيبهم في الآخرة الثواب الدائم الذي لا ينقطع، إذ يقول سبحانه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} (الأحزاب آية ٤٣) .

وقد قال الإمام ابن القيم: وأما الجمع بين الرحمن والرحيم، ففيه معنى بديع، وهو أن (الرحمن) دال على الصفة القائمة به سبحانه، و (الرحيم) دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفة (أي: صفة ذات له سبحانه، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته (أي: صفة فعل له سبحانه) وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} (الأحزاب آية ٤٣) ، {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة آية ١١٧) ، ولم يجيء قط رحمة بهم، فعلم أن (رحمن) هو الموصوف بالرحمة، و (رحيم) هو الراحم برحمته [٣٢] .

وقد نسب القرطبي إلى عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قوله: "الرحمن الرحيم اسمان رقيقان وأحدهما أرق من الآخر". وقد استشكل الخطابي هذا القول، ونقله عنه القرطبي في الجزء الأول ص ١٠٦، إذ قال الخطابي في استشكاله المذكور: "وهذا مشكل، لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله سبحانه".

وقال الحسين بن الفضل البجلي: "هذا وهم من الراوي لأن الرقة ليست من صفات الله تعالى في شيء، وإنما: هما اسمان رفيقات أحدهما أرفق من الآخر، والرفق من صفات الله عز وجل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" [٣٣] .

والحقيقة أنني أعجبت كثيرا بهذا الاستشكال، ولذلك ألفت إخواني المؤمنين إليه.