قلت ماذا جرى؟ قال: لقد باتت الروائح الكريهة الموجودة في هذه البسط والوسائد تقلقني، كما باتت بعض الحشرات الصغيرة تأكل جسمي ولم أذق طعم النوم طول الليل، ثم أخذ يقلب الوسائد والفرش ففوجئ بأسباب الروائح في الوسائد، فرجوته أن يغطي ذلك وسليته بأن وقت خروجنا من هذا الفندق قد اقترب، كما اكتشف الدكتور في جدران بيت الماء ما هو أسوأ من ذلك.
ولقد ظهر لنا بعد ذلك أنه لا ينزل في هذا الفندق إلا المعدومون الذين لا يفيقون من السكر إلا نادرا، كما ظهر لنا سبب وجود العصا بيد الفراش وهو خوفه من النزلاء المشار إليهم.
استعجال لا بد منه:
وبعد أن صلينا مباشرة حزمنا حقائبنا لنغادر مكان القلق الذي كان المفروض أن يكون مكان راحة، كان ذلك في يوم الأربعاء ٨/٨/١٣٩٨هـ.
ضغطنا على زر المصعد وانتظرنا حتى جاء حاملا صاحب العصا وأدخلنا حقائبنا فيه ونزلنا إلى قاعة إدارة الفندق ننتظر أخانا محمد نور الذي كان قد حجز لنا في فندق على جانب الشارع الآخر من جهة الشرق ولكن موعد تسلم الحجرة كان متأخرا ونحن لا زلنا مبكرين وانتظرنا طويلا في القاعة ونحن نرى النزلاء يدخلون ويخرجون أشباه مجانين ومنهم القاعدون على الكراسي يتحدثون ويضحكون وأغلبهم من كبار السن، وعندما طال الانتظار قال لي زميلي: أليس من الأفضل أن نشرب شيئا؟ فقلت له: اشرب ما تشاء أما أنا فلا أريد شيئا وحقا ما كنت أقدر على تناول طعام أو شراب في هذا المكان القذر وهذه عادتي: أصبر على الجوع والعطش إذا رأيت مناظر قذرة مؤذية أو شممت روائح سيئة إلا عند الاضطرار الذي لا أقدر على تجاوزه وفي جوانب الشارع المقابل كنا نرى أسرابا من الزنوج المتسكعين الذين يميل بعضهم على بعض أو يبادل بعضهم بعضا الصياح والضحك والبؤس باد على وجوههم ويظهر من تسكعهم أنهم بدون عمل مثل إخوانهم في هارلم.