وقد اختلف أهل العلم فيما تتحقق به سنة اللحية؛ فذهب فريق منهم إلى أنها لا تتحقق إلا إذا تركت وشأنها بحيث لا يؤخذ منها شيء أصلا إلا في حج أو عمرة.
وقد استند هذا الفريق إلى ما يلي:
أ – الأحاديث الصحيحة التي جاءت في طلبها بلفظ الإعفاء وما في معناه، وبصيغة الأمر.
ب - ما أخرجه البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب"، وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه" [٩] .
وبما أن ابن عمر هو راوي الحديث؛ فتصرفه يعتبر بيانا للمعنى المراد من الحديث، وعلى هذا فلا يجوز الأخذ من اللحية أبدا بل تترك على حالها إلا في حج أو عمرة.
ج ـ ما أخرجه أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال: "كنا نعفي السّبال إلا في حج أو عمرة" [١٠] ، والسبال: جمع سَبَلة - بفتحتين - وهي ما طال من شعر اللحية، وقد سكت عنه أبو داود والمنذري.
وقد ذهب إلى هذا الرأي من التابعين: الحسن وقتادة؛ حيث قالا: يتركها عافية لقوله صلى الله عليه وسلم: "واعفوا اللحى" [١١] .
وقد نسب العراقي هذا الرأي للجمهور، وقال إنه مذهب الشافعي وأصحابه [١٢] .
وذهب فريق آخر إلى جواز الأخذ منها بشرط ألا ينقص طولها عن قبضة اليد بمعنى أنه يجوز له أخذ ما زاد على قبضة اليد أما إذا كانت أقل من قبضة فلا يجوز الأخذ منها، وقد استدل هذا الفريق بما يلي:
أ - ثر ابن عمر السابق وفيه: "كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه"، قال الحافظ في كيفية الاستدلال لهذا الفريق بهذا الأثر: "لذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التقصير بالنسك بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه" [١٣] .