للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن حرية الفكر عندنا لا تسامى في كل مبادئ الدنيا وقوانينها، حيث وضعها بنفسه سبحانه في أقدس وأخلد كتاب نزل لما قال {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين} {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً} {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} ثم بعد ذلك {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا} وعندئذ يعرف من أحسن الفكر ومن أساءه، فليس كل من فكَّر قدر.

لقد قلت إن الاجتهاد في شريعتنا فتحٌ واسع ٌلا يوصد بابه، ولقد استعمله رجالنا العظام في أرشد عصور الإسلام، فقد رفض علي رضي الله عنه الخلافة بكل عظمتها وصولجانها عقب وفاة عمر رضي الله عنه لما عرضت عليه مشروطة تحد من فكره ومن اجتهاده، فقد جمع عبد الرحمن بن عوف المسلمين في المسجد.. ثم نادى عليا، وكان عبد الرحمن قد فوض لاختيار الخليفة بعد أن اعتذر هو عنها، على أن يتبعه المسلمون في بيعة من يبايعه.

ووضع عبد الرحمن يده في يد علي قائلا نبايعك على أن تعمل بكتاب الله وسنة رسوله واجتهاد الشيخين - يقصد أبا بكر وعمر- فلم يوافق عليّ على اجتهاد الشيخين وقال: بل أجتهد رأيي، فدفع عبد الرحمن يده ونادى عثمان رضي الله عنه فقبل اجتهاد الشيخين وإن كان قد حدث بعد ذلك ما حدث.

وموقف علي أيضا مع الخوارج مشهور، لما أرسل إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه ليناظرهم، فرجع إلى علي منهم أربعة آلاف وبقي أربعة آلاف حيث هم، فأرسل إليهم علي يقول: كونوا حيث شئتم، وبيننا وبينكم ألا تسفكوا دما حراما ولا تقطعوا سبيلا، وألا تظلموا أحدا، فإن فعلتم نبذت إليكم الحرب.