"وبعد فإن أصول الفقه علم عظم نفعه وقدره، وعلا شرفه وفخره، إذ هو مثار الأحكام الشرعية ومثار الفتاوى الفرعية التي بها صلاح المكلفين معاشا ومعادا. ثم إنه العمدة في الاجتهاد، وأهم ما يتوقف عليه من المواد كما نص عليه العلماء ووصف به الأئمة الفضلاء، وقد أوضحه الإمام [٣] في المحصول فقال: "يشترط فيه - أي علم الأصول – أمور هي: أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام، ويعرف المسائل المجمع عليها، والمنسوخ منها، وحال الرواية، لأن الجهل بهذه الأمور قد يوقع المجتهد في الخطأ. وأن يعرف اللغة إفرادا وتركيبا لأن الأدلة من الكتاب والسنة عربية. وأن يعرف شرائط القياس لأن الاجتهاد متوقف عليه، وكيفية النظر وهو ترتيب المقدمات.. .. .. وأما شرائط القياس وهو الكلام في شرائط الأصل والفرع وشرائط العلة وأقسامها ومبطلاتها، وتقديم بعضها على بعض عند التعارض فهو باب واسع يتفاوت فيه العلماء تفاوتا كبيرا، ومنه يحصل الاختلاف غالبا مع كونه بعض أصول الفقه".
فثبت بذلك ما قاله الإمام أن الركن الأعظم والأمر الأهم في الاجتهاد إنما هو علم أصول الفقه" [٤] .
الخصوبة في علم الأصول:
من أبرز خصائص علم الأصول أنه علم يتمتع بخصوبة ودسامة تميزه عن غيره من العلوم، فهو غزير في مادته بعيد عن الجفاف يشبع نهم المقبلين – بجانب أهميته ومكانته الرفيعة – فإذا أدرك الدارس أبعاد هذا العلم يجده متصلا بجميع العلوم الشرعية ومتصلا بأكثر – إن لم يكن كل – بقية العلوم التي تسمى بالعلوم الإنسانية.
فهو بتركيبته الخاصة يأخذ دارسه إلى ميادين تلك العلوم المختلفة فلا يتمكن منه إلا بولوجه أبوابا مختلفة وفنونا متنوعة يسبر أغوارها ويخوض غمارها.