ولعلنا ندرك أن إدراك علم الأصول كما كان في الماضي ضرورة لكل فقيه يُنَصَّب للفتوى أو القضاء، وكان الفقهاء الملمون بالأصول مقدمين على غيرهم خاصة في منصب القضاء، ويفضل من بين هؤلاء العارفون بحياة الناس الاجتماعية وعاداتهم.
ونورد هنا القصة التي رواها الفقيه ابن عرفة (٧١٧- ٨٠٣ هـ) :
في هذا المضمار، قال:"إن ابن عبد السلام [٥] كان على وشك أن يعيّن قاضيا ولكن معاصريه من العلماء طعنوا فيه بأنه رجل حاد الطبع، فبلغ النبأ ابن عبد السلام فذهب إلى الوالي وزكّى نفسه بأنه يعرف حياة الناس الاجتماعية وعاداتهم وتقاليدهم أكثر من غيره، "وهو يشير إلى معرفته بالعرف"وعندما تأكد الوالي من صدق دعواه عينه قاضيا ولم يلتفت لطعن الطاعنين"[٦] .
وتتطلب دراسة منابع الفقه الإسلامي دراسة تاريخ التشريع في الإسلام وهو يشتمل على تاريخ الأصول والفقه، ودراسة الظروف التاريخية التي أحاطت بالفقه وأصوله وهذه دراسة تقود للإلمام بالتاريخ عموما من أوسع أبوابه ولا يقتصر على دراسة تاريخ الأصول والفقه وحده، وبذلك يكون الأصولي على علم بكل الظروف التي مرّ بها العلم.
ودراسة منابع الفقه تتطلب دراسة دقيقة وافية مستوعبة لتفاصيل علم الفقه الإسلامي ومذاهبه واختلافات الأئمة والمنصوص عليه وغير المنصوص عليه وأماكن الإجماع الخ، حتى يمكنه معرفة الأصول معرفة نظرية وتطبيقية عملية ولا يقتصر على المعرفة النظرية المجردة.
ولعله من الأكمل لدارس الأصول الإلمام بأصول ومنابع القوانين الوضعية وذلك لإدراك مصادر تلك القوانين وكيفية استخراجها حتى ينجلي عنده سمو الشريعة الإسلامية ويستطيع - كما أشرنا من قبل - بيان نقائص القوانين الوضعية.