إن الخلافة العثمانية لم تكن خلافة راشدة بل لها عيوبها الكثير ولكن مع ذلك فإن إصلاح الخلافة خير من إسقاطها. وعلى أية حال فقد زالت الخلافة واختفى هذا المنصب من حياة المسلمين للمرة الأولى، وزال بذلك رأس هذه الأمة عن جسدها وبقيت بعده جثة هامدة لا تبدي حراكا وهان بالتالي على الكلاب أن تنهشها وعلى الأفاعي أن تنفث سمومها فيها. ولقد كان دور اليهود في هذا الصراع دور دابة الأرض التي أكلت منسأة سليمان وذلك باندساسهم في مراكز الدولة الحساسة بواسطة منظماتهم السرية وخلاياهم الماسونية ففتوا في عضدها ونخروا في عودها إلى أن أقوت، فلما جوبهت بعد ذلك بالغزو الصليبي لم تلبث أن انهارت وخرت. وفرح المجرمون يومئذ بنصرهم وفازوا بأمنية من أعز أمانيهم ألا وهو قطع الخيط الذي كان ينتظم المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم كما ينتظم الخيط حبات العقد وألسنتهم كما ينتظم الخيط حبات العقد ألا وهو خيط الخلافة المنسوج من روح الإيمان والأخوة الإسلامية. وبانقطاع ذلك الخيط تناثرت فرائد العقد وانتهبتها اللصوص وبترت أوصال الأمة الواحدة فأصبحت أمما، وقسمت أجزاء الوطن الواحد فأصبح أوطانا وتقاسيم القتلة تركة المقتول. وكان هذا كما قلنا من أكبر الكوارث التي ألمت بالمسلمين وذلك لما ترتب عليه من آثار بعيدة المدى كما سنرى شيئا منه في هذه الكلمة. وأما التخطيط والإحكام اللذين عمل على أساسهما أعداء الإسلام بعد هدم الخلافة فقد أعظم خطرا مما قبله وذلك ما أن دالت دولة الإسلام وزالت شوكته حتى سارع الأعداء إلى الأخذ بالأسباب البعيدة التي تحول دون عودة الإسلام إلى الحياة من جديد، هذا الدين العملاق الذي كان ظهوره خطر على الكافرين على اختلاف أنواعهم والذي أجلاهم عن الجزيرة العربية كلها واستخلص من أيديهم أجزاء شاسعة من آسيا وإفريقيا واقتحم عليهم ديارهم في أوروبا وراحت خيوله تنطلق برسالة التوحيد من المحيط إلى المحيط في فترة لا تزيد