فدعوى ما يخالف ذلك باطلة من أساسها، لأنها معارضة لصريح القرآن الكريم الذي أخبر أن هذه الكتب قد حرفت، وتناولتها أيدي أصحابها بالتفسير والتبديل، مصداقا لقوله في حق اليهود:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ...}[٢٢] ، وفي حق النصارى:{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ...}[٢٣] .
يقول صاحب (الفارق بين المخلوق والخالق) في الرد على صاحب رسالة (أبحاث مجتهدين) الذي حاول أن يستدل بالآيات القرآنية التي تصفه بأنه مصدق لما بين يديه على سلامة هذه الكتب من التحريف والنسخ يقول: "ثم إني لا أتردد في أن هذا المصنف إما أن يكون جاهلا أو متجاهلا؛ إذ لا يلزم من تصديق القرآن للكتب المنزلة قبله براءة هذه التوراة والأناجيل الأربعة والرسائل الموجودة الآن بأيديهم من التحريف والتبديل والنسخ، ولا يلزم أيضا وجوب اتباعها، فقوله هذا مغالطة على ضعفة العقول، وهو خلاف الظاهر، والحق أن المفهوم من سياق هذه الآيات أن التصديق كان لثبوت صحة نزولها من الله فقط لا لبراءة هذه الكتب، ولو لزم من التصديق وجود مصدق به للزم من تصديق الرسل وجودهم حين التصديق، وهذا فاسد"[٢٤] .
وكما جاء القرآن الكريم مصدقا لما سبقه من كتب الله، فقد جاء كذلك مهيمنا عليها، كما صرح بذلك قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ...}[٢٥] .
فما المقصود بهذه الهيمنة، وما الفرق بين تصديق القرآن الكريم لكتب الله وهيمنته عليها؟ وما الذي يترتب على كون القرآن مصدقا ومهيمنا على ما سبقه من كتب الله؟