وعلى الناس أن يسمعوا لهذا الكلام، وأن يتدبروا آياته... وعندئذ يرون ببصائرهم -لا بأبصارهم- في كل آية معجزة قاهرة... تعنو لها الجباه، وتخضع لها الرقاب.
إن على الناس أنفسهم... أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم لهذه الكلمات، فإنهم إن فعلوا تكشف لهم منها ما كان يتكشف من عصا موسى عليه السلام ويده، ومن كلمة عيسى عليه السلام... وهذا مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"وإنما كان هذا الذي أوتيته وحيا أوحي إلي"[٣٥] .
إنها آيات... معجزات... وما يعقلها، ويعرف وجه الإعجاز فيها إلا العالمون الذين يلقون أسماعهم لها، ويفتحون قلوبهم وعقولهم للحق الذي فيها، وللنور الذي معها.
ومن ثم كانت أنظار المسلمين دائما معلقة بهذا الكتاب، يدرسونه، ويتدارسونه، ويلقونه بكل ما تسعفهم به الحياة من علوم ومعارف، فيجدون كل شيء دون ما في كتاب الله من علوم ومعارف، فيزداد لذلك تعلقهم بكتاب الله، وتتوثق صلتهم به، ويشتد إقبالهم عليه، ومدارستهم له.
وفي كل يوم من أيام المسلمين تظهر دراسات وبحوث في القرآن وعلوم القرآن، حتى لقد اجتمع من ذلك ما لا يحصى عدا.
ولقد كان نصيب "الإعجاز"في مباحث القرآن نصيبا موفورا، وقد أفرده بعضهم بدراسة خاصة، كما فعل عبد القاهر الجرجاني والرماني والخطابي والباقلاني ... إلا أن أكثر مباحث الإعجاز هي التي كانت تجيء ضمن مباحث التفسير أو القراءات... فمعظم الذين فسروا القرآن حاولوا أن يجعلوا في صدور تفاسيرهم إشارات تتضمن آراءهم في فضل القرآن وفي إعجازه.
ولعل! "الزمخشري"أشهر هؤلاء المفسرين وأولاهم بالذكر في هذا المقام، إذ كان تفسيره "الكشاف"يبحث عن مناط الإعجاز في كتاب الله... في آياته، آية آية، وفي كلماته، كلمة، كلمة.
وقد آن لنا أن نلتقي بعد هذا مع بعض هؤلاء العلماء والمفسرين، الذين يتسع المجال للقائهم والتحدث إليهم.