وأنصت أعداء الله إلى ما يردد ابن مسعود، وتساءلوا في دهشة ماذا قال ابن أم عبد؟
وأجاب بعضهم: إنه يتلو بعض ما جاء به محمد، فانهالوا عليها ضربا في وجهه، وهو يتلو غير مبال بما يفعلون به، حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ.
وانصرف الداعية الجريء إلى أصحابه، وقد أثر الضرب في وجهه، فرق له المسلمون، وقالوا: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا: حسبك قد أسمعتم ما يكرهون [١٠] .
ويتوالى الدعاة، وتختلف أساليب التبليغ، فتارة تكون بنشر الدعوة بالكلمة والتفصيل، وتارة تكون بالتمسك بها والإصرار عليها، وتارة تكون بالصبر على الأذى في سبيلها، وتحمل المشقات من أجلها.
والأسلوب الأخير وإن كلف الدعاة كثيرا من الدماء، وكثيرا من الجهد، وكثيرا من العناء إلا أنه أثبت أن للدعوة رجالا قد آمنوا بها إيمانا ملك عليهم حواسهم ومشاعرهم، وتغلغل في قلوبهم تغلغلا أنساهم آلامهم، وما يلقون في سبيلها من المتاعب والصعاب.
وكثيرا ما يكون الصبر والثبات أبلغ في التأثير من الكلمة مهما كانت بليغة مقنعة، وكثيرا ما يذل الصبر والثبات كبرياء الجبارين؛ فيستسلمون أمام هذا الصمود صاغرين.
لقد أذل بلال العبد الضعيف كبرياء أمية بن خلف، وأرغمه بصبره وثباته على الحق على أن يطلب من أبي بكر شراءه ليخلصه منه.
يقول ابن هشام: إن أبا بكر مرّ بأمية بن خلف وهو يعذب بلالا؛ فقال له: ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى؟ [١١] .