للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نرى صور تلك القصة، تتكرر متماثلة مع اختلاف الزمان والأجيال يبدؤها ولدا آدم - عليه السلام - وتتكرر مع نوح وقومه، ثم مع إبراهيم والنمرود، وتتضح معالمها في قصة موسى مع فرعون؛ حيث يتحدّى السحرة العزل فرعون، ويصرون على إيمانهم بعد أن هداهم الله إليه، وذاقوا لذته، يهددهم فرعون بعذاب تقشعر منه الأبدان؛ {فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} [١٥] .

ويظن فرعون أنهم سينزعجون من هذا التهديد، وأنهم سيخرون بين يديه ساجدين خوفا من العذاب، ونسي أن الإيمان قد استقر في قلوبهم فأصبحوا بفضله قادرين على الصمود في وجه الكفر، وأصبحت عقيدتهم أعز عليهم من حياتهم، فأجابوا على التهديد بالصمود، وعلى الوعيد بالتحدي {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [١٦] .

ويفاجأ فرعون المتغطرس بهذا التحدي ممن كانوا بالأمس عبيدا له؛ فينخلع قلبه، ويطيش صوابه، ولكنه لم يستطع أن يمضي وعيده، ولا أن ينفذ تهديده، وكان كعادته يتوعد ويقف عند هذا الحد ولا يتعداه.

وسياق الآيات الكريمات لا يعطي مدلولا واضحا لنتيجة هذا التهديد، هل نفذ فرعون وعيده، أم تراجع أمام هذا التحدي، وبلع ريقه أمام هذا الصمود، وزعم أن أتباعه هم حالوا بينه وبين التنفيذ، كما حكى عنه القرآن حين قال: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [١٧] .