للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما كان ذلك غير ممكن - لأن الناس لا يستطيعون مواجهة الملائكة، ولا يطيقون الاستماع إليهم - أخبر سبحانه بأنه ولو أرسل ملكا لابد أن يكون على هيئة الآدميين؛ ليتمكن من التبليغ دون أن ينفر منه الناس، وليتلقى منه الناس دون صعوبة أو عناء.

ومن أجل هذا أخبر الله - عز وجل - بأنه لو أرسل ملكا لجعله على صورة البشر حتى يتمكنوا من رؤيته؛ إذ لا قبل للبشر برؤية الملائكة، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [٣٠] .

ونلاحظ أن الدعاة لم يكن لديهم إلا محاولة إقناعهم، فلما أعرضوا ولجوا في طغيانهم قال لهم رسل عيسى - عليه السلام - {وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} ، نحن لا نملك قهركم على الحق، ولا نستطيع إرغامكم على الإيمان به، وإنما نحاول إقناعكم، ونعمل مخلصين على إرشادكم، ولكم بعد ذلك الخيار فيما تختارون.

ويطول الحوار، والدعاة يواجهون المضادة بالصبر والحلم محاولين إظهار الحق في صور من المناقشة المتبادلة بين الفريقين.

يقول أصحاب التيارات المضادة: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [٣١] .

ويجيبهم الدعاة قائلين: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [٣٢] .

وترى واضحا في كلام المدعوين أنهم يتعللون بأوهام وأباطيل، ويحاولون لصق التهم بالدعاة، زاعمين أن ما يحل بهم من البلاء إنما هو بسبب وجود الدعاة بينهم، وينسون أنهم بابتعادهم عن الحق، وعداوتهم لأهله، وإسرافهم في الغي يستحقون ما هم فيه من البلاء، بل وأكثر منه.