للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى ابن جرير (١) عن ابن عباس وأبي مالك وسعيد بن جبير أنهم قالوا في قوله ﴿وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ﴾: يعني أمة محمد ، فكأنهم أرادوا أن هذا الخطاب في قوله ﴿وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً﴾ مع هذه الأمة، والجمهور على أنه خطاب من موسى لقومه، وهو محمول على عالمي زمانهم كما قدمنا، وقيل: المراد وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين:

يعني بذلك ما كان تعالى نزله عليهم من المن والسلوى، ويظللهم به من الغمام وغير ذلك مما كان تعالى يخصهم به من خوارق العادات، فالله أعلم.

ثم قال تعالى مخبرا عن تحريض موسى لبني إسرائيل على الجهاد والدخول إلى بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمان أبيهم يعقوب، لما ارتحل هو وبنوه وأهله إلى بلاد مصر أيام يوسف ، ثم لم يزالوا بها حتى خرجوا مع موسى، فوجدوا فيها قوما من العمالقة الجبارين قد استحوذوا عليها وتملكوها، فأمرهم رسول الله موسى بالدخول إليها وبقتال أعدائهم وبشرهم بالنصرة والظفر عليهم، فنكلوا وعصوا وخالفوا أمره، فعوقبوا بالذهاب في التيه والتمادي في سيرهم حائرين لا يدرون كيف يتوجهون فيه إلى مقصد، مدة أربعين سنة عقوبة لهم على تفريطهم في أمر الله تعالى. فقال تعالى مخبرا عن موسى أنه قال: يا قومي ادخلوا الأرض المقدسة أي المطهرة. وقال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: ادخلوا الأرض المقدسة، قال: هي الطور وما حوله، وكذا قال مجاهد وغير واحد. وروى سفيان الثوري عن أبي سعيد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: هي أريحاء، وكذا ذكر عن غير واحد من المفسرين، وفي هذا نظر، لأن أريحاء ليست هي المقصودة بالفتح، ولا كانت في طريقهم إلى بيت المقدس، وقد قدموا من بلاد مصر حين أهلك الله عدوهم فرعون، إلا أن يكون المراد بأريحاء أرض بيت المقدس، كما قاله السدي فيما رواه ابن جرير (٢) عنه، لا أن المراد بها هذه البلدة المعروفة في طرف الطور شرقي بيت المقدس.

وقوله تعالى: ﴿الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾ أي التي وعدكموها الله على لسان أبيكم إسرائيل أنه وراثة من آمن منكم، ﴿وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ﴾ أي ولا تنكلوا عن الجهاد ﴿فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَإِنّا لَنْ نَدْخُلَها حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ﴾ أي اعتذروا بأن في هذه البلدة التي أمرتنا بدخولها وقتال أهلها قوما جبارين أي ذوي خلق هائلة وقوى شديدة، وإنا لا نقدر على مقاومتهم ولا مصاولتهم، ولا يمكننا الدخول إليها ما داموا فيها، فإن يخرجوا منها دخلناها، وإلا فلا طاقة لنا بهم. وقد قال ابن جرير (٣): حدثني


(١) تفسير الطبري ٤/ ٥١١.
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٥١٣ وبذلك رواه عن ابن زيد وابن عباس.
(٣) تفسير الطبري ٤/ ٥١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>