للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الكريم بن الهيثم، حدثنا إبراهيم بن بشار، حدثنا سفيان قال: قال أبو سعيد: قال عكرمة، عن ابن عباس قال: أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين، قال: فسار موسى بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة، وهي أريحاء، فبعث إليهم اثني عشر عينا من كل سبط منهم عين، ليأتوه بخبر القوم، قال: فدخلوا المدينة فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجسمهم وعظمهم، فدخلوا حائطا (١) لبعضهم، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه، فجعل يجتني الثمار وينظر إلى آثارهم، فتبعهم فكلما أصاب واحدا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة، حتى التقط الاثني عشر كلهم، فجعلهم في كمه مع الفاكهة، وذهب بهم إلى ملكهم فنثرهم بين يديه، فقال لهم الملك: قد رأيتم شأننا وأمرنا، فاذهبوا فأخبروا صاحبكم، قال: فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم.

وفي هذا الإسناد نظر وقال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس لما نزل موسى وقومه، بعث منهم اثني عشر رجلا، وهم النقباء الذين ذكرهم الله، فبعثهم ليأتوه بخبرهم، فساروا فلقيهم رجل من الجبارين، فجعلهم في كسائه، فحملهم حتى أتى بهم المدينة، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه، فقالوا من أنتم؟ قالوا: نحن قوم موسى، بعثنا نأتيه بخبركم، فأعطوهم حبة من عنب تكفي الرجل، فقالوا لهم اذهبوا إلى موسى وقومه، فقولوا لهم هذا قدر فاكهتهم، فرجعوا إلى موسى فأخبروه، بما رأوا، فلما أمرهم موسى ، بالدخول عليهم وقتالهم، قالوا: يا موسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، رواه ابن أبي حاتم، ثم قال: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا يحيى بن أيوب، عن يزيد بن الهادي، حدثني يحيى بن عبد الرحمن، قال: رأيت أنس بن مالك، أخذ عصاه فذرع فيها بشيء لا أدري كم ذرع، ثم قاس بها في الأرض خمسين أو خمسا وخمسين، ثم قال: هكذا طول العماليق.

وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا أخبارا من وضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين، وأن منهم عوج بن عنق، ابن بنت آدم ، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع، تحرير الحساب، وهذا شيء يستحى من ذكره، ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيحين، أن رسول الله قال «إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن» (٢) ثم ذكروا أن هذا الرجل كان كافرا، وأنه كان ولد زنية، وأنه امتنع من ركوب سفينة نوح، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته، وهذا كذب وافتراء، فإن الله تعالى ذكر أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين، فقال ﴿رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً﴾ [نوح: ٢٦] وقال تعالى: ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ﴾ [الشعراء: ١١٩] وقال تعالى: ﴿لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ﴾ [هود: ٤٣]


(١) الحائط: البستان المسوّر.
(٢) صحيح البخاري (أنبياء باب ١)

<<  <  ج: ص:  >  >>