للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان ابن نوح الكافر، غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر وولد زنية؟ هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع. ثم في وجود رجل يقال له عوج بن عنق نظر، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا﴾ أي فلما نكل بنو إسرائيل عن طاعة الله ومتابعة رسول الله موسى ، حرضهم رجلان لله عليهما نعمة عظيمة، وهما ممن يخاف أمر الله ويخشى عقابه، وقرأ بعضهم ﴿قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ﴾ (١) أي ممن لهم مهابة وموضع من الناس، ويقال إنهما يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا. قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة، وعطية والسدي، والربيع بن أنس، وغير واحد من السلف والخلف فقالا ﴿اُدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي إن توكلتم على الله واتبعتم أمره، ووافقتم رسوله، نصركم الله على أعدائكم وأيدكم وظفركم بهم، ودخلتم البلد التي كتبها الله لكم، فلم ينفع ذاك فيهم شيئا ﴿قالُوا يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ وهذا نكول منهم عن الجهاد، ومخالفة لرسولهم، وتخلف عن مقاتلة الأعداء، ويقال: إنهم لما نكلوا عن الجهاد، وعزموا على الانصراف والرجوع إلى مصر، سجد موسى وهارون ، قدام ملأ من بني إسرائيل، إعظاما لما هموا به، وشق يوشع بن نون وكالب بن يوقنا ثيابهما، ولا ما قومهما على ذلك، فيقال إنهم رجموهما، وجرى أمر عظيم، وخطر جليل، وما أحسن ما أجاب به الصحابة يوم بدر رسول الله حين استشارهم في قتال النفير، الذين جاءوا لمنع العير، الذي كان مع أبي سفيان، فلما فات اقتناص العير، واقترب منهم النفير، وهم في جمع ما بين التسعمائة إلى الألف في العدة، والبيض واليلب (٢)، فتكلم أبو بكر فأحسن، ثم تكلم من تكلم من الصحابة من المهاجرين، ورسول الله يقول «أشيروا علي أيها المسلمون» وما يقول ذلك، إلا ليستعلم ما عند الأنصار، لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذ، فقال سعد بن معاذ: كأنك تعرض بنا يا رسول الله، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله، فسّر رسول الله بقول سعد ونشطه ذلك.

وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو حاتم الرازي، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا حميد عن أنس أن رسول الله لما سار إلى بدر استشار المسلمين، فأشار عليه عمر، ثم استشارهم فقالت الأنصار: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله قالوا: إذا لا نقول له كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾


(١) أي بضم أوله.
(٢) البيض: الخوذ. واليلب: الدروع.

<<  <  ج: ص:  >  >>