للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإجماع أهل التأويل عليه وأن الله ﷿ أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه وإذا كان هذا حكمه في خلقه فغير جائز أن تكون آثام المقتول مأخوذا بها القاتل، وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثام معاصيه التي ارتكبها بنفسه دون ما ركبه قتيله، هذا لفظه، ثم أورد على هذا سؤالا حاصله كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثم قتله وإثم نفسه مع أن قتله له محرم؟ وأجاب بما حاصله أن هابيل أخبر عن نفسه بأنه لا يقاتل أخاه إن قاتله، بل يكف عنه يده طالبا إن وقع قتل أن يكون من أخيه لا منه (١).

قلت: وهذا الكلام متضمن موعظة له لو اتعظ، وزجرا له لو انزجر، ولهذا قال ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ أي تتحمل إثمي وإثمك ﴿فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ﴾ وقال ابن عباس: خوفه بالنار فلم ينته ولم ينزجر.

وقوله تعالى: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ أي فحسنت وسولت له نفسه وشجعته على قتل أخيه فقتله، أي بعد هذه الموعظة وهذا الزجر، وقد تقدم في الرواية عن أبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين أنه قتله بحديدة في يده، وقال السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة بن عبد الله، وعن ناس من أصحاب النبي ، فطوعت له نفسه قتل أخيه، فطلبه ليقتله، فراغ الغلام منه في رؤوس الجبال، فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له وهو نائم، فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات فتركه بالعراء، رواه ابن جرير (٢). وعن بعض أهل الكتاب أنه قتله خنقا وعضا كما تقتل السباع. وقال ابن جرير: لما أراد أن يقتله جعل يلوي عنقه، فأخذ إبليس دابة ووضع رأسها على حجر، ثم أخذ حجرا آخر فضرب به رأسها حتى قتلها وابن آدم ينظر، ففعل بأخيه مثل ذلك، رواه ابن أبي حاتم، وقال عبد الله بن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: أخذ برأسه ليقتله فاضطجع له وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله، فجاءه إبليس فقال: أتريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه، قال: فأخذها فألقاها عليه فشدخ رأسه، ثم جاء إبليس إلى حواء مسرعا فقال: يا حواء إن قابيل قتل هابيل، فقالت له: ويحك وأي شيء يكون القتل؟ قال: لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك، قالت: ذلك الموت. قال: فهو الموت، فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم وهي تصيح، فقال: ما لك؟ فلم تكلمه، فرجع إليها مرتين فلم تكلمه الله، فقال: عليك الصيحة وعلى بناتك، وأنا وبنيّ منها برآء، رواه ابن أبي حاتم.

وقوله ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ أي في الدنيا والآخرة، وأي خسارة أعظم من هذه؟ وقد


(١) لمزيد من الإيضاح راجع تفسير الطبري ٤/ ٥٣٤ - ٥٣٥.
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٥٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>