للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمة بن الأكوع قال: كان للنبي غلام يقال له يسار، فنظر إليه يحسن الصلاة فأعتقه، وبعثه في لقاح له بالحرة فكان بها، قال: فأظهر قوم الإسلام من عرينة، وجاءوا وهم مرضى موعوكون قد عظمت بطونهم قال: فبعث بهم النبي إلى يسار، فكانوا يشربون من ألبان الإبل حتى انطوت بطونهم، ثم عدوا على يسار فذبحوه، وجعلوا الشوك في عينيه، ثم طردوا الإبل، فبعث النبي في آثارهم خيلا من المسلمين، كبيرهم كرز بن جابر الفهري، فلحقهم فجاء بهم إليه فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، غريب جدا، وقد روى قصة العرنيين من حديث جماعة من الصحابة منهم جابر وعائشة وغير واحد، وقد اعتنى الحافظ الجليل أبو بكر بن مردويه بتطريق هذا الحديث من وجوه كثيرة جدا فرحمه الله وأثابه.

وقال ابن جرير (١): حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، سمعت أبي يقول: سمعت أبا حمزة عن عبد الكريم وسئل عن أبوال الإبل فقال: حدثني سعيد بن جبير عن المحاربين فقال: كان أناس أتوا رسول الله ، فقالوا: نبايعك على الإسلام، فبايعوه وهم كذبة، وليس الإسلام يريدون، ثم قالوا: إنا نجتوي المدينة، فقال النبي هذه اللقاح تغدوا عليكم وتروح، فاشربوا من أبوالها وألبانها، قال: فبينما هم كذلك إذ جاء الصريخ، فصرخ إلى رسول الله فقال: قتلوا الراعي، واستاقوا النعم، فأمر النبي فنودي في الناس «أن يا خيل الله اركبي» قال: فركبوا لا ينتظر فارس فارسا، قال: وركب رسول الله على أثرهم، فلم يزالوا يطلبونهم حتى أدخلوهم مأمنهم، فرجع صحابة رسول الله وقد أسروا منهم، فأتوا بهم النبي فأنزل الله ﴿إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ الآية، قال فكان نفيهم أن نفوهم حتى أدخلوهم مأمنهم وأرضهم، ونفوهم من أرض المسلمين، وقتل نبي الله منهم وصلب، وقطع وسمر الأعين، قال: فما مثل رسول الله قبل ولا بعد، قال: ونهى عن المثلة، وقال «ولا تمثلوا بشيء» قال: وكان أنس يقول ذلك، غير أنه قال: أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم، قال: وبعضهم يقول: هم ناس من بني سليم، ومنهم من عرينة، وناس من بجيلة.

وقد اختلف الأئمة في حكم هؤلاء العرنيين: هل هو منسوخ، أو محكم؟ فقال بعضهم:

هو منسوخ بهذه الآية، وزعموا أن فيها عتابا للنبي كما في قوله ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٣] ومنهم من قال: هو منسوخ بنهي النبي عن المثلة، وهذا القول فيه نظر، ثم قائله مطالب ببيان تأخر الناسخ الذي ادعاه عن المنسوخ، وقال بعضهم: كان هذا قبل أن تنزل الحدود، قاله محمد بن سيرين، وفيه نظر، فإن قصته متأخرة، وفي رواية جرير بن عبد الله لقصتهم ما يدل على تأخرها، فإنه أسلم بعد نزول المائدة، ومنهم من قال لم يسمل


(١) تفسير الطبري ٤/ ٥٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>