للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله، قلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتوا النبي وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم بكلمة حتى أتى بيت مدارسهم، فقام على الباب فقال «أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟» قالوا: يحمم ويجبه ويجلد، والتجبيه أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما، قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه رسول الله سكت، ألظ به رسول الله النشدة (١)، فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي «فما أول ما ارتخصتم أمر الله» قال: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في إثرة من الناس فأراد رجمه، فحال قومه دونه وقالوا: لا نرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي «فإني أحكم بما في التوراة» فأمر بهما فرجما، قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم ﴿إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا﴾ فكان النبي منهم، رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، وابن جرير (٢).

وقال الإمام أحمد (٣): حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب، قال: مرّ على رسول الله يهودي محمم مجلود، فدعاهم، فقال «أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» فقالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم فقال «أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟» فقال: لا والله، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنّا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد، فقال النبي «اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه» قال: فأمر به فرجم، قال: فأنزل الله ﷿ ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ إلى قوله ﴿يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ﴾ أي يقولون: ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، إلى قوله ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ﴾ قال في اليهود، إلى قوله ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥] قال في اليهود ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] قال: في الكفار كلها، انفرد بإخراجه مسلم (٤) دون البخاري وأبو


(١) ألظ به النشدة: ألحّ في سؤاله.
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٥٨٩ وسنن أبي داود (حدود باب ٢٥)
(٣) مسند أحمد ٤/ ٢٨٦.
(٤) صحيح مسلم (حدود حديث ٢٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>