للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهاجر النجاشي فمات بالطريق (١). وهذا من أفراد السدي، فإن النجاشي مات وهو ملك الحبشة، وصلّى عليه النبي يوم مات، وأخبر به أصحابه، وأخبر أنه مات بأرض الحبشة.

ثم اختلف في عدة هذا الوفد، فقيل: اثنا عشر: سبعة قساوسة وخمسة رهابين. وقيل:

بالعكس. وقيل: خمسون. وقيل: بضع وستون. وقيل: سبعون رجلا، فالله أعلم وقال عطاء بن أبي رباح: هم قوم من أهل الحبشة أسلموا حين قدم عليهم مهاجرة الحبشة من المسلمين وقال قتادة: هم قوم كانوا على دين عيسى ابن مريم، فلما رأوا المسلمين، وسمعوا القرآن أسلموا ولم يتلعثموا، واختار ابن جرير أن هذه الآيات نزلت في صفة أقوام بهذه المثابة، سواء كانوا من الحبشة أو غيرها (٢).

فقوله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ ما ذاك إلا لأن كفر اليهود كفر عناد وجحود ومباهتة للحق وغمط للناس وتنقص بحملة العلم، ولهذا قتلوا كثيرا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله غير مرة، وسموه وسحروه، وألبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.

قال الحافظ أبو بكر بن مردويه عند تفسير هذه الآية: حدثنا أحمد بن محمد بن السري، حدثنا محمد بن علي بن حبيب الرقي، حدثنا علي بن سعيد العلاف، حدثنا أبو النضر عن الأشجعي، عن سفيان، عن يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله «ما خلا يهودي بمسلم قط إلا همّ بقتله»، ثم رواه عن محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري، حدثنا أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي، حدثنا فرج بن عبيد، حدثنا عباد بن العوام عن يحيى بن عبد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله «ما خلا يهودي بمسلم إلا حدث نفسه بقتله»، وهذا حديث غريب جدا.

وقوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى﴾ أي الذين زعموا أنهم نصارى من أتباع المسيح وعلى منهاج إنجيله فيهم مودة للإسلام وأهله في الجملة، وما ذاك إلا لما في قلوبهم إذ كانوا على دين المسيح من الرقة والرأفة، كما قال تعالى ﴿وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً﴾ وفي كتابهم: من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر. وليس القتال مشروعا في ملتهم، ولهذا قال تعالى: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أي يوجد فيهم القسيسون وهم خطباؤهم وعلماؤهم، واحدهم قسيس وقس أيضا، وقد يجمع على قسوس، والرهبان جمع راهب، وهو العابد، مشتق من الرهبة، وهي الخوف، كراكب وركبان، وفرسان.


(١) الأثر في الطبري ٥/ ٤ والدر المنثور ٢/ ٥٣٨.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>