للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧)

يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى مَنْ عَبَدَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ، وَمُبِّينًا لَهُ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ شيئا من الإلهية، فقال تعالى: قُلْ أَيْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْعَابِدِينَ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ سَائِرِ فِرَقِ بَنِي آدَمَ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ النَّصَارَى وَغَيْرُهُمْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً أي لا يقدر على دفع ضر عنكم ولا إيصال نفع إليكم، وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَيِ السَّمِيعُ لِأَقْوَالِ عِبَادِهِ، الْعَلِيمُ بكل شيء، فلم عدلتم عنه إِلَى عِبَادَةِ جَمَادٍ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَعْلَمُ شَيْئًا وَلَا يَمْلِكُ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا لِغَيْرِهِ وَلَا لِنَفْسِهِ؟ ثُمَّ قَالَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ أَيْ لَا تُجَاوِزُوا الْحَدَّ فِي اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَلَا تُطْرُوا مَنْ أُمِرْتُمْ بِتَعْظِيمِهِ فَتُبَالِغُوا فِيهِ حَتَّى تُخْرِجُوهُ عَنْ حَيِّزِ النُّبُوَّةِ إِلَى مَقَامِ الْإِلَهِيَّةِ، كَمَا صَنَعْتُمْ فِي الْمَسِيحِ وَهُوَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَجَعَلْتُمُوهُ إِلَهًا مِنْ دون الله، وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخكم، شيوخ الضَّلَالِ الَّذِينَ هُمْ سَلَفُكُمْ مِمَّنْ ضَلَّ قَدِيمًا، وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ أَيْ وَخَرَجُوا عَنْ طَرِيقِ الِاسْتِقَامَةِ وَالِاعْتِدَالِ إِلَى طَرِيقِ الغواية والضلال.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ قَائِمٌ قَامَ عَلَيْهِمْ فَأَخَذَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ زَمَانًا، فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: إِنَّمَا تَرْكَبُ أَثَرًا أَوْ أَمْرًا قَدْ عمل قبلك، فلا تحمد عَلَيْهِ، وَلَكِنِ ابْتَدِعْ أَمْرًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ، وَادْعُ إِلَيْهِ وَأَجْبِرِ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَفَعَلَ ثُمَّ ادَّكَرَ بَعْدَ فِعْلِهِ زَمَانًا، فَأَرَادَ أَنْ يَتُوبَ منه، فخلع سلطانه وملكه، وَأَرَادَ أَنْ يَتَعَبَّدَ، فَلَبِثَ فِي عِبَادَتِهِ أَيَّامًا، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَنَّكَ تُبْتَ مِنْ خَطِيئَةٍ عَمِلْتَهَا فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ عَسَى أَنْ يُتَابَ عَلَيْكَ، وَلَكِنْ ضَلَّ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ فِي سَبَبِكَ حَتَّى فَارَقُوا الدُّنْيَا وَهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ، فَكَيْفَ لَكَ بِهُدَاهُمْ فَلَا تَوْبَةَ لَكَ أَبَدًا، فَفِيهِ سَمِعْنَا وَفِي أَشْبَاهِهِ هَذِهِ الآية يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ «١» .


(١) رواه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٥٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>