للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن جرير، بل هو محكم، ومن ادعى نسخه فعليه البيان، فقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ﴾ هذا هو الخبر لقوله شهادة بينكم، فقيل: تقديره شهادة اثنين حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وقيل: دل الكلام على تقدير أن يشهد اثنان. وقوله تعالى: ﴿ذَوا عَدْلٍ﴾ وصف الاثنين بأن يكونا عدلين. وقوله ﴿مِنْكُمْ﴾ أي من المسلمين. قاله الجمهور. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله ﴿ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ قال: من المسلمين، رواه ابن أبي حاتم، ثم قال: وروي عن عبيدة وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر والسدي وقتادة ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم نحو ذلك. قال ابن جرير (١): وقال آخرون: غير ذلك ﴿ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ أي من أهل الموصي، وذلك قول روي عن عكرمة وعبيدة وعدة غيرهما.

وقوله ﴿أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سعيد بن عون، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس في قوله ﴿أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ قال: من غير المسلمين، يعني أهل الكتاب، ثم قال وروي عن عبيدة وشريح وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين ويحيى بن يعمر وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي وقتادة وأبي مجلز والسدي ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، نحو ذلك. وعلى ما حكاه ابن جرير عن عكرمة وعبيدة في قوله منكم، أن المراد من قبيلة الموصي يكون المراد هاهنا ﴿أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ أي من غير قبيلة الموصي. وروى ابن أبي حاتم مثله عن الحسن البصري والزهري رحمهما الله.

وقوله تعالى: ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ أي سافرتم ﴿فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميين عند فقد المؤمنين أن يكون ذلك في سفر، وأن يكون في وصية، كما صرح بذلك شريح القاضي. قال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو معاوية ووكيع، قالا: حدثنا الأعمش عن إبراهيم، عن شريح قال: لا تجوز شهادة اليهود والنصارى إلا في سفر، ولا تجوز في سفر إلا في الوصية، ثم رواه عن أبي كريب، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال شريح فذكر مثله. وقد روي نحوه عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وهذه المسألة من أفراده، وخالفه الثلاثة فقالوا: لا يجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين، وأجازها أبو حنيفة فيما بين بعضهم بعضا.

وقال ابن جرير (٢): حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو داود، حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري قال: مضت السنة أنه لا تجوز شهادة الكافر في حضر ولا سفر، إنما هي في


(١) تفسير الطبري ٥/ ١٠٢.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>