للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْقُوفًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً أَيْ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ يَحْرُمُ عَلَيْكُمُ الِاصْطِيَادُ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمٍ ذَلِكَ فَإِذَا اصْطَادَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا، أَثِمَ وَغُرِّمَ، أَوْ مُخْطِئًا، غُرِّمَ وَحَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ، لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ كَالْمَيْتَةِ، وَكَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنَ الْمُحْرِمِينَ وَالْمُحِلِّينَ، عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَبِهِ يَقُولُ عَطَاءٌ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَغَيْرُهُمْ، فَإِنْ أَكَلَهُ أَو شَيْئًا مِنْهُ فَهَلْ يلزمه جزاء ثان؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ [أَحَدُهُمَا] نَعَمْ، قَالَ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إِنْ ذَبَحَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ فَكَفَّارَتَانِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طائفة. [والثاني] لا جزاء عليه في أكله، نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَى هَذَا مَذَاهِبُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، ثُمَّ وَجَّهَهُ أَبُو عُمَرَ بِمَا لَوْ وَطِئَ، ثُمَّ وَطِئَ، ثُمَّ وَطِئَ قَبْلَ أَنْ يَحُدَّ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَحَلَالٌ أَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ، إِلَّا أَنَّنِي أَكْرَهُهُ لِلَّذِي قَتَلَهُ لِلْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَيْدُ البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أن يُصَدْ لَكُمْ» وَهَذَا الْحَدِيثُ سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَوْلُهُ بِإِبَاحَتِهِ لِلْقَاتِلِ غَرِيبٌ. وَأَمَّا لِغَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ قَدْ ذَكَرْنَا الْمَنْعَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ، وَقَالَ آخَرُونَ بِإِبَاحَتِهِ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ سَوَاءٌ الْمُحْرِمُونَ وَالْمُحِلُّونَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا إِذَا صَادَ حَلَالٌ صَيْدًا، فَأَهْدَاهُ إِلَى مُحْرِمٍ، فَقَدْ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ إِلَى إِبَاحَتِهِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا بَيْنَ أَنْ يكون قد صاده من أجله أَمْ لَا، حَكَى هَذَا الْقَوْلَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ فِي رِوَايَةٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، حَدَّثَنَا بشر بن الفضل، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ صَادَهُ حَلَالٌ، أَيَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ؟ قَالَ: فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ، ثُمَّ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ: لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ هَذَا لَأَوْجَعْتُ لَكَ رَأْسَكَ. وَقَالَ آخَرُونَ:

لَا يَجُوزُ أَكْلُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرمِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، وعبد الكريم عن ابن أبي آسية عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ أكل الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ، وَقَالَ: هِيَ مُبْهَمَةٌ يَعْنِي قَوْلَهُ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثوري وإسحاق بن راهويه في


(١) تفسير الطبري ٥/ ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>