فيموت، فإذا لم يبق إلا الله، الواحد القهار الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، كان آخرا كما كان أولا، طوى السموات والأرض، طي السجل للكتب، ثم دحاهما ثم يلقفهما ثلاث مرات، ثم يقول: أنا الجبار أنا الجبار أنا الجبار ثلاثا، ثم هتف بصوته ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول لنفسه ﴿لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ﴾ يقول الله: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ﴾ فيبسطهما ويسطحهما، ثم يمدهما مد الأديم العكاظي ﴿لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً﴾ ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة، فإذا هم في هذه الأرض المبدلة، مثل ما كانوا فيها من الأولى، من كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها، ثم ينزل الله عليهم ماء من تحت العرش، ثم يأمر الله السماء أن تمطر فتمطر أربعين يوما، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت فتنبت كنبات الطراثيث (١)، أو كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت، قال الله ﷿: ليحي حملة عرشي فيحيون، ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحي جبريل وميكائيل، فيحييان ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نورا، وأرواح الكافرين ظلمة، فيقبضها جميعا، ثم يلقيها في الصور، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول وعزتي وجلالي ليرجعن كل روح إلى جسده، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في الخياشيم ثم تمشي في الأجساد، كما يمشي السم في اللديغ، ثم تنشق الأرض عنهم، وأنا أول من تنشق الأرض عنه، فتخرجون سراعا إلى ربكم تنسلون، ﴿مُهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر: ٨] حفاة عراة غلفا غرلا، فتقفون موقفا واحدا مقداره سبعون عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دما وتعرقون، حتى يلجمكم العرق أو يبلغ الذقان، وتقولون: من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا، فتقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه فيأبى، ويقول ما أنا بصاحب ذلك فيستقرءون الأنبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم-قال رسول الله ﷺ حتى يأتوني فأنطلق إلى الفحص، فأخرّ ساجدا. قال أبو هريرة يا رسول الله وما الفحص؟ قال-قدام العرش، حتى يبعث الله إليّ ملكا فيأخذ بعضدي ويرفعني فيقول لي: يا محمد، فأقول: نعم يا رب، فيقول الله ﷿: ما شأنك؟ وهو أعلم-فأقول يا رب وعدتني الشفاعة، فشفعني في خلقك فاقض بينهم، قال الله: قد شفعتك، أنا آتيكم أقضي بينكم-قال رسول الله ﷺ-فأرجع فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوف، إذ سمعنا من السماء حسا شديدا، فهالنا فينزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض، أشرقت
(١) الطرثيث: نبات رملي طويل مستدق، يضرب لونه إلى الحمرة.