للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرجت له الأرضون السبع، فنظر إلى ما فيهن، وزاد غيره فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي، ويدعو عليهم، فقال الله له إني أرحم بعبادي منك، لعلهم أن يتوبوا أو يرجعوا.

وروى ابن مردويه في ذلك حديثين مرفوعين، عن معاذ وعلي، ولكن لا يصح إسنادهما، والله أعلم.

وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي، عن ابن عباس، في قوله ﴿وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ فإنه تعالى جلا له الأمر سره وعلانيته، فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق، فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب، قال الله إنك لا تستطيع هذا فرده كما كان قبل ذلك، فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتى رأى ذلك عيانا، ويحتمل أن يكون عن بصيرته، حتى شاهده بفؤاده وتحققه وعرفه، وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة، والدلالات القاطعة كما رواه الإمام أحمد والترمذي، وصححه عن معاذ بن جبل في حديث المنام «أتاني ربي في أحسن صورة فقال يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت لا أدري يا رب، فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفت ذلك» (١) وذكر الحديث.

قوله ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ قيل الواو زائدة تقديره وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض، ليكون من الموقنين، كقوله ﴿وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾.

[الأنعام: ٥٥] وقيل بل هي على بابها، أي نريه ذلك ليكون عالما وموقنا، وقوله تعالى: ﴿فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾ أي تغشاه وستره ﴿رَأى كَوْكَباً﴾ أي نجما ﴿قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ﴾ أي غاب، قال محمد بن إسحاق بن يسار: الأفول الذهاب، وقال ابن جرير: يقال: أفل النجم يأفل ويأفل أفولا وأفلا، إذا غاب ومنه قول ذي الرمة: [الطويل] مصابيح ليست باللواتي تقودها … دياج ولا بالآفلات الزوائل (٢)

ويقال: أين أفلت عنا؟ بمعنى أين غبت عنا، قال ﴿لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ قال قتادة: علم أن ربه دائم لا يزول، ﴿فَلَمّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً﴾ أي طالعا ﴿قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضّالِّينَ فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي﴾ أي هذا المنير الطالع ربي ﴿هذا أَكْبَرُ﴾ أي جرما من النجم ومن القمر وأكثر إضاءة ﴿فَلَمّا أَفَلَتْ﴾ أي غابت ﴿قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾


(١) مسند أحمد ٥/ ٢٤٣.
(٢) ويروى عجزه: «نجوم ولا بالآفلات الدوالك». والبيت لذي الرمة في تتمة ديوانه ص ١٧٣٤؛ وتفسير الطبري ٥/ ٢٤٧؛ ولسان العرب (ذلك)؛ وبلا نسبة في تاج العروس (صبح، ذلك)

<<  <  ج: ص:  >  >>