للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالوالدين والأجداد عطف على ذلك الإحسان إلى الأبناء والأحفاد، فقال تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ﴾ وذلك أنهم كانوا يقتلون أولادهم كما سولت لهم الشياطين ذلك، فكانوا يئدون البنات خشية العار، وربما قتلوا بعض الذكور خشية الافتقار، ولهذا ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود ، أنه سأل رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال «أن تجعل لله ندا وهو خلقك» قلت: ثم أي؟ قال «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» قلت: ثم أي؟ قال: «أن تزاني حليلة جارك» ثم تلا رسول الله ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ﴾ [الفرقان: ٦٨] الآية (١).

وقوله تعالى: ﴿مِنْ إِمْلاقٍ﴾ قال ابن عباس وقتادة والسدي وغيره: هو الفقر (٢)، أي ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل، وقال في سورة الإسراء ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ [الإسراء: ٣١] أي لا تقتلوهم خوفا من الفقر في الآجل، ولهذا قال هناك ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيّاكُمْ﴾ فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي لا تخافوا من فقركم بسبب رزقهم فهو على الله، وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلا قال ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ﴾ لأنه الأهم هاهنا، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾ كقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٣] وقد تقدم تفسيرها في قوله تعالى:

﴿وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٠].

وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله «لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» (٣) وقال عبد الملك بن عمير عن ورّاد عن مولاه المغيرة قال: قال سعد بن عبادة لو رأيت مع امرأتي رجلا لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله فقال: «أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير من سعد، والله أغير مني، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن» (٤) أخرجاه، وقال كامل أبو العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله إنا نغار قال «والله إني لأغار والله أغير مني، ومن غيرته نهى عن الفواحش» رواه ابن مردويه ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب


(١) صحيح البخاري (تفسير سورة ٢ باب ٣ وأدب باب ٢٠) وصحيح مسلم (إيمان حديث ١٤١، ١٤٢)
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٣٩١.
(٣) صحيح البخاري (توحيد باب ١٥ و ٢٠ ونكاح باب ١٠٧ وتفسير سورة الأنعام باب ٧ وتفسير سورة الأعراف باب ١) وصحيح مسلم (توبة حديث ٣٢ - ٣٦)
(٤) صحيح البخاري (نكاح باب ١٠٧ وحدود باب ٤٠ وتوحيد باب ٢٠) وصحيح مسلم (لعان حديث ١٦ و ١٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>