الركبان تخوفا على أمر الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى أهل مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة، وخرج رسول الله ﷺ في أصحابه، حتى بلغ واديا يقال له ذفران، فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار رسول الله ﷺ الناس وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر ﵁ فقال، فأحسن. ثم قام عمر ﵁ فقال، فأحسن.
ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله به، فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ [المائدة: ٢٤]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد، يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله ﷺ خيرا ودعا له بخير.
ثم قال رسول الله ﷺ«أشيروا علي أيها الناس» وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس، وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله إنا برآء من زمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في زمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، وكان رسول الله ﷺ يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم، فلما قال رسول الله ﷺ ذلك قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال:«أجل» فقال آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أمرك الله فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما يتخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.
فسر رسول الله ﷺ بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال «سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم»(١) وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا، وكذلك قال السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد من علماء السلف والخلف، اختصرنا أقوالهم اكتفاء بسياق محمد بن إسحاق.
(١) انظر الأثر في تفسير الطبري ٦/ ١٨٤، ١٨٥، وسيرة ابن هشام ١/ ٦٠٦، ٦٠٧.