للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن عمر الواقدي: أخبرني عمر بن عقبة عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: لما تواقف الناس أغمي على رسول الله ساعة، ثم كشف عنه فبشر الناس بجبريل في جند من الملائكة ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر ميسرة الناس، وإسرافيل في جند آخر ألف، وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي يدبر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، فلما أبصر عدو الله الملائكة، نكص على عقبيه، وقال: ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ﴾، فتشبث به الحارث بن هشام، وهو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه، فضرب في صدر الحارث فسقط الحارث، وانطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر ورفع ثوبه، وقال يا رب موعدك الذي وعدتني. وفي الطبراني عن رفاعة بن رافع، قريب من هذا السياق وأبسط منه، ذكرناه في السيرة.

وقال محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، قال: لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب، فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال أنا جار لكم أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعا (١).

قال محمد بن إسحاق: فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك لا ينكرونه، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان، كان الذي رآه حين نكص، الحارث بن هشام أو عمير بن وهب، فقال أين سراقة؟ أين وميل عدو الله فذهب، قال فأوردهم ثم أسلمهم، قال ونظر عدوا الله إلى جنود الله قد أيد الله بهم رسوله والمؤمنين، فنكص على عقبيه، وقال ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ﴾، وصدق عدو الله، وقال ﴿إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ (٢)، وهكذا روي عن السدي والضحاك والحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم .

وقال قتادة: وذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة، فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة، فقال إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله وكذب عدو الله. والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم، وتبرأ منهم عند ذلك (٣).

قلت: يعني بعادته لمن أطاعه، قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ﴾ [الحشر: ١٦] وقوله تعالى: ﴿وَقالَ الشَّيْطانُ﴾


(١) تفسير الطبري ٦/ ٢٦٤.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ٢٦٤، وسيرة ابن هشام ١/ ٦٦٣.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ٢٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>