للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٢].

وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن بعض بني ساعدة، قال: سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعد ما كف بصره، يقول: لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة، لا أشك ولا أتمارى، فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس، وأوحى الله إليهم أني معكم فثبتوا الذين آمنوا، وتثبيتهم، أن الملائكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل، يعرفه فيقول له أبشر فإنهم ليسوا بشيء والله معكم فكروا عليهم، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه، وقال ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ﴾، وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه، ويقول لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه. ثم قال: واللات والعزى، لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال، فلا تقتلوهم وخذوهم أخذا، وهذا من أبي جهل لعنه الله، كقول فرعون للسحرة لما أسلموا: ﴿إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها﴾ [الأعراف: ١٢٣] وكقوله: ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه:٧١] وهو من باب البهت والافتراء، ولهذا كان أبو جهل فرعون هذه الأمة.

وقال مالك بن أنس: عن إبراهيم بن أبي علية، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، أن رسول الله قال: «ما رأى إبليس يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة، وذلك مما يرى من نزول الرحمة والعفو عن الذنوب إلا ما رأى يوم بدر» قالوا:

يا رسول الله وما رأى يوم بدر؟ قال: «أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة» (١) وهذا مرسل من هذا الوجه.

وقوله: ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ﴾ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية: لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين، وقلل المشركين في أعين المسلمين، فقال المشركون: غر هؤلاء دينهم، وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم، فظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك، فقال الله: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ وقال قتادة: رأوا عصابة من المؤمنين تشددت لأمر الله، وذكر لنا، أن أبا جهل عدو الله لما أشرف على محمد وأصحابه، قال: والله لا يعبد الله بعد اليوم قسوة وعتوا (٢).


(١) أخرجه مالك في الحج حديث ٢٤٥.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>