للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: ﴿وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ﴾ الآية يقول تعالى ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء المشركين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي خلق السموات والأرض كما قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [الزخرف: ٨٧] ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [العنكبوت: ٦١] وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون من البداءة كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم:٢٧] وقال تعالى: ﴿ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] وقولهم: ﴿إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ أي يقولون كفرا وعنادا ما نصدقك على وقوع البعث، وما يذكر ذلك إلا من سحرته فهو يتبعك على ما تقول.

وقوله: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ الآية. يقول تعالى ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود وأمد محصور وأوعدناهم إلى مدة مضروبة ليقولن تكذيبا واستعجالا، ما يحبسه أي يؤخر هذا العذاب عنا فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد والأمة تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة فيراد بها الأمد كقوله في هذه الآية ﴿إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾.

وقوله في يوسف: ﴿وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: ٤٥] وتستعمل في الإمام المقتدى به كقوله: ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل:١٢٠] وتستعمل في الملة والدين كقوله إخبارا عن المشركين إنهم قالوا: ﴿إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣] وتستعمل في الجماعة كقوله: ﴿وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القصص: ٢٣] وقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦] وقال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: ٤٧].

والمراد من الأمة هاهنا الذين يبعث فيهم الرسول مؤمنهم وكافرهم كما في صحيح مسلم «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» (١) وأما أمة الأتباع فهم المصدقون للرسل كما قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ وفي الصحيح «فأقول أمتي أمتي» وتستعمل الأمة في الفرقة والطائفة كقوله تعالى:

﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩] وكقوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ﴾ [آل عمران: ١١٣] الآية.


(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>