محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق ﴿وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ﴾.
وقال أبو علي الجياني في تفسيره ﴿وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ هو سقوط البرد من السحاب. قال القاضي الباقلاني: وهذا تأويل بعيد، وتبعه في استبعاده الرازي، وهو كما قال فإن هذا خروج عن اللفظ بلا دليل، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الحكم بن هشام الثقفي، حدثني يحيى بن أبي طالب يعني يحيى بن يعقوب في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ﴾ قال: كثرة البكاء ﴿وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ﴾ قال: قليل البكاء ﴿وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ قال: بكاء القلب من غير دموع العين.
وقد زعم بعضهم أن هذا من باب المجاز، وهو إسناد الخشوع إلى الحجارة كما أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله: ﴿يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: ٧٧] قال الرازي والقرطبي وغيرهما من الأئمة: ولا حاجة إلى هذا، فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة كما في قوله تعالى: ﴿إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها﴾ [الأحزاب: ٧٢] وقال: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾ [الإسراء: ١٧]، وقال: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ﴾ [الرحمن: ٦] ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ﴾ [النحل:٤٨]، ﴿قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] ﴿لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ﴾ [الحشر: ٢١]:
﴿وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ﴾ [فصلت: ٢١]، وفي الصحيح «هذا جبل يحبنا ونحبه» وكحنين الجذع المتواتر خبره، وفي صحيح مسلم «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن» وفي صفة الحجر الأسود: إنه يشهد لمن استلم بحق يوم القيامة، وغير ذلك مما في معناه. وحكى القرطبي قولا أنها للتخيير أي مثلا لهذا وهذا وهذا مثل: جالس الحسن أو ابن سيرين. وكذا حكاه الرازي في تفسيره وزاد قولا آخر: إنها للإبهام بالنسبة إلى المخاطب، كقول القائل: أكلت خبزا أو تمرا، وهو يعلم أيهما أكل، وقال آخر: إنها بمعنى قول القائل: كل حلوا أو حامضا، أي لا يخرج عن واحد منهما، أي وقلوبكم صارت كالحجارة أو أشد قسوة منها لا تخرج عن واحد من هذين الشيئين، والله أعلم.
[تنبيه] اختلف علماء العربية في معنى قوله تعالى: ﴿فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ بعد الإجماع على استحالة كونها للشك، فقال بعضهم: أو هاهنا بمعنى الواو، تقديره: فهي كالحجارة وأشد قسوة، كقوله تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾ [الإنسان: ٢٤] ﴿عُذْراً أَوْ نُذْراً﴾ [المرسلات: ٦] وكما قال النابغة الذبياني: [البسيط]