ثم قال ابن عباس: حدثني أبي بن كعب عن رسول الله ﷺ أن موسى بني إسرائيل سأل ربه، فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد هو أعلم مني فدلني عليه، فقال له: نعم في عبادي من هو أعلم منك، ثم نعت له مكانه وأذن له في لقيه، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح، قد قيل له: إذا حيي هذا الحوت في مكان، فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه، فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء، وذلك الماء ماء الحياة، من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي، فاتخذ سبيله في البحر سربا، فانطلقا فلما جاوزا النقلة قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، قال الفتى وذكر: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة، فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره، واتخذ سبيله في البحر عجبا، قال ابن عباس فظهر موسى على الصخرة حتى إذا انتهيا إليها، فإذا رجل متلفف في كساء له، فسلم موسى عليه فرد عليه السلام، ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل؟ قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا. قال: إنك لن تستطيع معي صبرا، وكان رجلا يعلم علم الغيب، قد علم ذلك، فقال موسى: بلى.
قال: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً﴾ أي إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم ﴿قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً﴾ وإن رأيت ما يخالفني، قال: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ﴾ وإن أنكرته ﴿حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾ فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يخملهما، حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن، ولا أجعل ولا أوثق منها، فسأل أهلها أن يحملوهما فحملوهما، فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها، أخرج منقارا له ومطرقة، ثم عمد إلى ناحية فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها، ثم أخذ لوحا فطبقه عليها، ثم جلس عليها يرقعها، فقال له موسى ورأى أمرا أفظع به ﴿أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ﴾ أي بما تركت من عهدك ﴿وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً﴾.
ثم خرجا من السفينة، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية، فإذا غلمان يلعبون خلفها، فيهم غلام ليس في الغلمان أظرف منه، ولا أثرى ولا أوضأ منه فأخذه بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله، قال: فرأى موسى أمرا فظيعا لا صبر عليه، صبي صغير قتله لا ذنب له، قال: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً﴾ أي صغيرة ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً﴾ أي قد أعذرت في شأني ﴿فَانْطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا