للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾ (١)، رواه مسلم والترمذي، كلاهما عن عبد الله عن قتيبة، عن الدراوردي به. وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾ قال: حبا، وقال مجاهد عنه: ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾، قال: محبة في الناس في الدنيا، وقال سعيد بن جبير عنه، يحبهم ويحببهم، يعني إلى خلقه المؤمنين، كما قال مجاهد أيضا والضحاك وغيرهم. وقال العوفي عن ابن عباس أيضا: الود من المسلمين في الدنيا والرزق الحسن واللسان الصادق. وقال قتادة ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾ إي والله في قلوب أهل الإيمان، وذكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم وقال قتادة: وكان عثمان بن عفان يقول: ما من عبد يعمل خيرا أو شرا إلا كساه الله ﷿ رداء عمله.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن الربيع بن صبيح عن الحسن البصري قال: قال رجل: والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها، فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائما يصلي، وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج، فكان لا يعظم، فمكث بذلك سبعة أشهر، وكان لا يمر على قوم إلا قالوا: انظروا إلى هذا المرائي، فأقبل على نفسه فقال: لا أراني أذكر إلا بشر، لأجعلن عملي كله لله ﷿، فلم يزد على أن قلب نيته، ولم يزد على العمل الذي كان يعمله، فكان يمر بعد بالقوم فيقولون:

رحم الله فلانا الآن، وتلا الحسن ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾ وقد روى ابن جرير أن هذه الآية نزلت في هجرة عبد الرحمن بن عوف، وهو خطأ، فإن هذه السورة بكمالها مكية لم ينزل منها شيء بعد الهجرة، ولم يصح سند ذلك، والله أعلم.

وقوله: ﴿فَإِنَّما يَسَّرْناهُ﴾ يعني القرآن ﴿بِلِسانِكَ﴾ أي يا محمد وهو اللسان العربي المبين الفصيح الكامل ﴿لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ﴾ أي المستجيبين لله، المصدقين لرسوله، ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا﴾ أي عوجا عن الحق مائلين إلى الباطل وقال ابن أبي نجيج عن مجاهد ﴿قَوْماً لُدًّا﴾ لا يستقيمون وقال الثوري عن إسماعيل وهو السدي عن أبي صالح ﴿وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا﴾ عوجا عن الحق، وقال الضحاك: الألد الخصم. وقال القرظي: الألد الكذاب. وقال الحسن البصري ﴿قَوْماً لُدًّا﴾ صما، وقال غيره: ثم آذان القلوب. وقال قتادة: قوما لدا يعني قريشا وقال العوفي عن ابن عباس ﴿قَوْماً لُدًّا﴾ فجارا، وكذا روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد.

وقال ابن زيد: الألد الظلوم، وقرأ قوله تعالى: ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤].


(١) أخرجه مسلم في البر حديث ١٥٧، والترمذي في تفسير سورة ١٩، باب ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>