فدفعت إليه القرص ورجعت، ثم إن إبليس أتاها في صورة طيب، فقال لها: إن زوجك قد طال سقمه، فإن أراد أن يبرأ فليأخذ ذبابا فليذبحه باسم صنم بني فلان، فإنه يبرأ ويتوب بعد ذلك، فقالت ذلك لأيوب.
فقال: قد أتاك الخبيث، لله عليّ إن برأت أن أجلدك مائة جلدة، فخرجت تسعى عليه، فحظر عنها الرزق، فجعلت لا تأتي أهل بيت فيريدونها، فلما اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب الجوع حلقت من شعرها قرنا فباعته من صبية من بنات الأشراف، فأعطوها طعاما طيبا كثيرا، فأتت به إلى أيوب، فلما رآه أنكره وقال: من أين لك هذا؟ قالت: عملت لأناس فأطعموني، فأكل منه، فلما كان الغد خرجت فطلبت أن تعمل فلم تجد، فحلقت أيضا قرنا فباعته من تلك الجارية، فأعطوها أيضا من ذلك الطعام، فأتت به أيوب فقال: والله لا أطعمه حتى أعلم من أين هو، فوضعت خمارها، فلما رأى رأسها محلوقا جزع جزعا شديدا، فعند ذلك دعا الله ﷿، فقال: ﴿نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ﴾.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، حدثنا أبو عمران الجوني عن نوف البكالي أن الشيطان الذي عرج في أيوب كان يقال له مسوط، قال: وكانت امرأة أيوب تقول: ادع الله فيشفيك، فجعل لا يدعو حتى مر به نفر من بني إسرائيل، فقال بعضهم لبعض: ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه، فعند ذلك قال: ﴿نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ﴾. وحدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كان لأيوب ﵇ أخوان، فجاءا يوما فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما للآخر: لو كان الله علم من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيء قط، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان وأنا أعلم مكان جائع، فصدقني، فصدق من السماء وهما يسمعان، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط، وأنا أعلم مكان عار، فصدقني، فصدق من السماء وهما يسمعان، ثم قال: اللهم بعزتك، ثم خر ساجدا، فقال: اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبدا حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف عنه.
وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعا بنحو هذا، فقال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: «إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه:
وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر له، فقال أيوب ﵇: ما أدري ما تقول، غير أن الله ﷿ يعلم أني