للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنزل الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ﴾ أي عيسى وعزيز ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة الله، فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله، ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملائكة وأنهم بنات الله ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ﴾ -إلى قوله- ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٦] ونزل فيما ذكر من أمر عيسى وأنه يعبد من دون الله، وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته ﴿وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها﴾ [الزخرف: ٥٩] أي ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، فكفى به دليلا على علم الساعة، يقول: ﴿فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الزخرف: ٦١] وهذا الذي قاله ابن الزبعرى خطأ كبير، لأن الآية إنما نزلت خطابا لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل، ليكون ذلك تقريعا وتوبيخا لعابديها، ولهذا قال: ﴿إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ فكيف يورد على هذا المسيح وعزيز ونحوهما من له عمل صالح ولم يرض بعبادة من عبده، وعول ابن جرير في تفسيره في الجواب على أن (ما) لما لا يعقل عند العرب (١)، وقد أسلم عبد الله بن الزبعرى بعد ذلك، وكان من الشعراء المشهورين، وقد كان يهاجي المسلمين أولا ثم قال معتذرا: [الخفيف] يا رسول المليك إن لساني … راتق ما فتقت إذ أنا بور (٢)

إذ أجاري الشيطان في سنن الغيّ … ومن مال ميله مثبور

وقوله: ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ قيل: المراد بذلك الموت، رواه عبد الرزاق عن يحيى بن ربيعة عن عطاء وقيل: المراد بالفزع الأكبر النفخة في الصور، قاله العوفي عن ابن عباس وأبو سنان سعيد بن سنان الشيباني، واختاره ابن جرير في تفسيره، وقيل: حين يؤمر بالعبد إلى النار، قاله الحسن البصري، وقيل: حين تطبق النار على أهلها، قاله سعيد بن جبير وابن جريج، وقيل: حين يذبح الموت بين الجنة والنار، قاله أبو بكر الهذلي فيما رواه ابن أبي


(١) انظر سيرة ابن هشام ١/ ٣٥٨ - ٣٦٠، وتفسير الطبري ٩/ ٩١، ٩٢.
(٢) البيتان في ديوان عبد الله بن الزبعرى ص ٣٦، والبيت الأول من لسان العرب (بور)، وجمهرة اللغة ص ١٠٢٠، والمخصص ٣/ ٤٨، ٧/ ٣٠، ٣١١، ١٤/ ٣٣، وتاج العروس (ملك)، ومقاييس اللغة ١/ ٣١٦. وسمط اللآلي ص ٣٨٨، وهو لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ٩٥، ولعبد الله بن رواحة أو لعبد الله بن الزبعرى في تاج العروس (بور)، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣٣٠، وتهذيب اللغة ١٥/ ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>