للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُجَاهِدٌ: مَرْفُوعًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّشْتِكِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ أَبِيهِ عَنِ أَشْعَثَ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ الْقُمِّيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ السَّمَاءُ؟ قَالَ: «مَوْجٌ مَكْفُوفٌ عنكم» إسناده غَرِيبٌ.

وَقَوْلُهُ: وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ كَقَوْلِهِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ [يُوسُفَ: ١٠٥] أَيْ لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الِاتِّسَاعِ الْعَظِيمِ وَالِارْتِفَاعِ الْبَاهِرِ، وَمَا زُيِّنَتْ بِهِ مِنَ الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها ونهارها من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكامله فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَتَسِيرُ غَايَةً لَا يَعْلَمُ قدرها إلا الله الَّذِي قَدَّرَهَا وَسَخَّرَهَا وَسَيَّرَهَا. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ التَّفَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ: أَنَّ بَعْضَ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَعَبَّدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا تَعَبَّدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَظَلَّتْهُ غَمَامَةٌ، فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ الرجل شيئا مما كان يحصل لِغَيْرِهِ، فَشَكَى ذَلِكَ إِلَى أُمِّهِ فَقَالَتْ لَهُ: يَا بُنَيَّ فَلَعَلَّكَ أَذْنَبْتَ فِي مُدَّةِ عِبَادَتِكَ هذه؟ فقال: لا والله ما أعلمه، قَالَتْ: فَلَعَلَّكَ هَمَمْتَ؟ قَالَ: لَا وَلَا هَمَمْتُ، قَالَتْ: فَلَعَلَّكَ رَفَعْتَ بَصَرَكَ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ رَدَدْتَهُ بِغَيْرِ فِكْرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا.

قَالَتْ: فَمِنْ هَاهُنَا أُتِيتَ، ثُمَّ قَالَ مُنَبِّهًا عَلَى بَعْضِ آيَاتِهِ: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أَيْ هَذَا فِي ظَلَامِهِ وَسُكُونِهِ وَهَذَا بِضِيَائِهِ وَأُنْسِهِ، يَطُولُ هَذَا تَارَةً ثُمَّ يَقْصُرُ أُخْرَى وَعَكْسُهُ الْآخَرُ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ هَذِهِ لَهَا نُورٌ يَخُصُّهَا وَفَلَكٌ بِذَاتِهِ وَزَمَانٌ عَلَى حِدَةٍ وَحَرَكَةٍ وسير خاص، وهذا بنور آخَرَ وَفَلَكٍ آخَرَ وَسَيْرٍ آخَرَ وَتَقْدِيرٍ آخَرَ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أَيْ يَدُورُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَدُورُونَ كَمَا يدور المغزل في الفلكة قَالَ مُجَاهِدٌ: فَلَا يَدُورُ الْمِغْزَلُ إِلَّا بِالْفَلْكَةِ، وَلَا الْفَلْكَةُ إِلَّا بِالْمِغْزَلِ، كَذَلِكَ النُّجُومُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا يَدُورُونَ إِلَّا بِهِ وَلَا يَدُورُ إِلَّا بِهِنَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الْأَنْعَامِ: ٩٦] .

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]

وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥)

يَقُولُ تَعَالَى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ أَيْ يَا مُحَمَّدُ الْخُلْدَ أَيْ فِي الدُّنْيَا بَلْ كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [الرَّحْمَنِ: ٢٦- ٢٧] وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاتَ وَلَيْسَ بِحَيٍّ إِلَى الْآنِ، لِأَنَّهُ بَشَرٌ سَوَاءٌ كَانَ وَلِيًّا أَوْ نِبِيًّا أَوْ رَسُولًا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الكهف:

٨٢] . وَقَوْلُهُ: أَفَإِنْ مِتَّ أَيْ يَا مُحَمَّدُ فَهُمُ الْخالِدُونَ أَيْ يُؤَمِّلُونَ أَنْ يَعِيشُوا بَعْدَكَ لَا يكون هذا بل كل إلى الفناء، ولهذا قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشافعي

<<  <  ج: ص:  >  >>