للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد بن سيرين: وكانوا يقولون: لا يجاوز بصره مصلاه، فإن كان قد اعتاد النظر فليغمض، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. ثم روى ابن جرير عنه وعن عطاء بن أبي رباح أيضا مرسلا أن رسول الله كان يفعل ذلك حتى نزلت هذه الآية، والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لما واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرها، وحينئذ تكون راحة له وقرة عين، كما قال النبي في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي عن أنس عن رسول الله أنه قال: «حبب إليّ الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة» (١).

وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا وكيع، حدثنا مسعر عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن رجل من أسلم أن رسول الله قال: يا بلال «أرحنا بالصلاة» وقال الإمام أحمد (٣) أيضا:

حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد أن محمد بن الحنفية قال: دخلت مع أبي على صهر لنا من الأنصار، فحضرت الصلاة، فقال:

يا جارية ائتيني بوضوء لعلي أصلي فأستريح، فرآنا أنكرنا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله يقول: «قم يا بلال فأرحنا بالصلاة».

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ أي عن الباطل، وهو يشمل الشرك كما قاله بعضهم، والمعاصي كما قاله آخرون، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، كما قال تعالى:

﴿وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً﴾ [الفرقان: ٧٢] قال قتادة: أتاهم والله من أمر الله ما وقفهم عن ذلك. وقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ﴾ الأكثرون على أن المراد بالزكاة هاهنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النصب والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبا بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا زكاة النفس من الشرك والدنس، كقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها﴾ [الشمس: ٩ - ١٠] وكقوله ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ [فصلت: ٦ - ٧] على أحد القولين في تفسيرهما، وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا، والله أعلم.

وقوله ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام


(١) أخرجه النسائي في عشرة النساء باب ١، وأحمد في المسند ٣/ ١٢٨، ١٩٩، ٢٨٥.
(٢) المسند ٥/ ٣٦٤.
(٣) المسند ٥/ ٣٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>