النظر إلى الأشياء الحمر، والمصروع إلى الأشياء القوية اللمعان أو الدوران، وما ذلك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام. قال: وقد اتفق العقلاء على أن الإصابة بالعين حق-وله أن يستدل على ذلك بما ثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال:«العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» -قال: فإذا عرفت هذا فنقول النفس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدا فتستغني في هذه الأفاعيل عن الاستعانة بالآلات والأدوات، وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه الآلات، وتحقيقه أن النفس إذا كانت متعلية عن البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السموات صارت كأنها روح من الأرواح السماوية، فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم، وإذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه الذات البدنية، فحينئذ لا يكون لها تأثير البتة إلا في هذا البدن، ثم أرشد إلى مداواة هذا الداء بتقليل الغذاء، والانقطاع عن الناس والرياء (قلت) وهذا الذي يشير إليه هو التصرف بالحال، وهو على قسمين، تارة تكون حالا صحيحة شرعية يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله ﷺ، ويترك ما نهى الله ورسوله ﷺ، فهذه الأحوال مواهب من الله تعالى وكرامات للصالحين من هذه الأمة ولا يسمى هذا سحرا في الشرع. وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله ﷺ، ولا يتصرف بها في ذلك، فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة ولا يدل إعطاء الله إياهم هذه الأحوال على محبته لهم، كما أن الدجال له من الخوارق للعادات ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة مع أنه مذموم شرعا لعنه الله، وكذلك من شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وبسط هذا يطول جدا وليس هذا موضعه.
قال:[والنوع الثالث] من السحر، الاستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن، خلافا للفلاسفة والمعتزلة (١)، وهم على قسمين: مؤمنون، وكفار وهم الشياطين، وقال: واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية لما بينها من المناسبة والقرب، ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بها أعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل التسخير.
قال:[النوع الرابع] من السحر التخييلات والأخذ بالعيون والشعبذة، ومبناه على أن البصر قد يخطئ ويشتغل بالشيء المعين دون غيره ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه حتى إذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء والتحديق نحوه عمل شيئا آخر عملا بسرعة شديدة، وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه فيتعجبون منه جدا ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعلمه، ولم تتحرك
(١) عبارة الرازي أوضح في المقام: «واعلم أن القول بالجن مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة والمعتزلة. أما أكابر الفلاسفة فإنهم ما أنكروا القول به، إلا أنهم سموها بالأرواح الأرضية … ».